ذكر موقع "
سكاي نيوز"، أنّه في لحظة فارقة من التوتر المتصاعد بين
إيران والغرب، تعود طهران لتشدد على ما تصفه بـ"الخط الأحمر": حقها في تخصيب اليورانيوم.
,منذ توقيع الاتفاق النووي عام 2015، شكّل ملف التخصيب حجر الزاوية في تعاطي إيران مع القوى الغربية. اليوم، بعد أكثر من عقد من التوترات والمفاوضات المعلقة والهجمات العسكرية، تعود طهران لتؤكد تمسّكها بهذا الحق كجزء من سيادتها النووية.
فبعد "حرب الإثني عشر يوماً" التي يرى فيها الإيرانيون نقطة تحوّل استراتيجية في المواجهة مع
إسرائيل، تؤكد طهران أن لا نقاش مستقبليًا حول تخصيب اليورانيوم.
التصريحات التي أطلقها المتحدث باسم الخارجية
الإيرانية، والتي نفى فيها أي موعد محدد لاجتماع مرتقب بين المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف ووزير الخارجية عباس عراقجي، تعكس بوضوح موقفًا حاسمًا: لا تفاوض دون احترام الأسس.
وفي هذا السياق، حذّر رئيس الأركان
الإيراني عبد الرحيم موسوي من رد "حازم" على أي تهديد، وذلك خلال زيارة لمقر القوى الجوفضائية التابعة للحرس الثوري، في رسالة مزدوجة: استعداد عسكري واستعراض للجهوزية الردعية.
والتحرك
الأوروبي الجديد، بقيادة ألمانيا ودولتين أوروبيتين، نحو تفعيل ما يعرف بـ"آلية الزناد"، يُهدّد بانهيار ما تبقى من الاتفاق النووي الموقع عام 2015.
هذه الآلية، التي تتيح لأي طرف موقّع على الاتفاق إعادة فرض العقوبات على طهران عبر مجلس الأمن، تعتبرها إيران ذريعة قانونية باطلة، خصوصاً بعد انسحاب
الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018.
وتنصّ "آلية الزناد" على أن أي دولة موقّعة يمكنها توجيه رسالة رسمية إلى مجلس الأمن تتهم فيها إيران بعدم الوفاء بالتزاماتها النووية. وإذا لم يُتوصل إلى اتفاق خلال 30 يومًا، تُعاد تلقائيًا جميع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة بين عامي 2006 و2010.
ولكن المهلة الزمنية تشارف على نهايتها، حيث ينتهي مفعول هذه الآلية في أكتوبر المقبل، ما يعجّل من خطوات
الأوروبيين لتفعيلها قبل أن تتولى
روسيا رئاسة مجلس الأمن في أيلول، وهو ما قد يعرقل تمريرها.
وأكّد مع مدير مركز الجيل الجديد للإعلام محمد غروي أن لا مفاوضات قائمة حالياً بين إيران والولايات المتحدة، ولا حتى مع الأوروبيين، على الأقل في ما يخص الشأن النووي.
وأضاف: "لا أحد يفرض على إيران جدول أعمال المفاوضات، نحن نحدد السقف، الأطر، المكان، والزمان."
وتابع: "سابقاً كانت عمان وقطر تلعبان دور الوسيط، أما اليوم، فالأمور قد تتغير. قد نرى الصين تدخل على خط الوساطة باعتبارها قوة صاعدة وموثوقة."
ومن وجهة نظر غروي، فإن من أفشل المفاوضات هو الطرف الأميركي، مضيفًا: "الرئيس الإيراني قالها صراحة: الأميركي قصف طاولة التفاوض. ومع ذلك، الإيرانيون لم يغلقوا الباب بل يطالبون بإعادة بناء الثقة، وهو حقّ مشروع."
ومع استمرار التصعيد، يُلمح غروي إلى أن طهران قد تلجأ إلى خيارات أكثر حدة، مثل الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، ورفع نسبة التخصيب إلى مستويات أعلى، في خطوات تزيد من غموض الملف النووي وتُعقّد أي مراقبة دولية مستقبلية.
وأشار غروي إلى ما يعتبره ازدواجية في التعامل
الغربي مع الاتفاق النووي، متسائلاً: "لماذا يضع الأوروبيون الاتفاق جانبًا بالكامل ويحتفظون فقط بآلية الزناد؟ ماذا عن البنود الأخرى؟ عن العلاقات الاقتصادية ورفع العقوبات؟ هذه كلها جزء من سلة واحدة تم التفاهم عليها في 2015."
كما يرفض غروي إلزام إيران بتنفيذ الاتفاق في حين أن الطرف الآخر لم يلتزم، قائلاً: "حينما يطلب الإيراني تنفيذ التزامات 2015، يتنصل الغرب، ولكن حينما يريد الغرب فرض آلية الزناد، يصبح الاتفاق ملزمًا؟ هذه معادلة غير مقبولة."
وتابع: "الغرب كسر ورقة الحرب، لم تنجح، واليوم يحاول استغلال آلية الزناد كورقة ضغط أخيرة."
وذهب غروي إلى أبعد من ذلك، معتبرا أن الإجراءات الأوروبية والأميركية متناسقة ومتناغمة رغم ما يبدو من خلافات ظاهرية.
وشرح قائلاً: "الأوروبيون يريدون الظهور كوسيط مستقل، لكن الهدف المشترك هو الضغط على إيران. حينما لم تنجح مفاوضات
واشنطن، جاء الدور على آلية الضغط العسكري. والآن، حينما فشل هذا الخيار أيضًا، انتقلوا إلى آلية الزناد."
وبرأيه، فإن الغربيين يواجهون مأزقًا لأن الخيارات باتت محدودة، والإيراني لا يزال يحتفظ بأوراق قوة لم تُستخدم بعد. ومن هذه الأوراق الخروج من اتفاقية حظر الانتشار النووي ورفع نسب تخصيب اليورانيوم إلى مستويات تقترب من العتبة العسكرية وتعليق التعاون كليًا مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتعميق الغموض حول البرنامج النووي ورفض أي رقابة خارجية.
وفي ما يخص آلية اتخاذ القرار داخل النظام الإيراني، يوضح غروي أن الأمر لا يتبع لشخصيات فردية بل لمؤسسات جماعية.
ويشرح قائلا: "القرارات المصيرية كإعادة التفاوض أو الرد على الغرب تُتخذ داخل مجلس الأمن القومي، الذي يضم مندوبين من الحرس الثوري، الحكومة، وممثل القائد الأعلى علي خامنئي، وبرئاسة رئيس الجمهورية."
ويؤكد أن هذه التركيبة تضمن اتساق القرار واستمراره رغم تغير الحكومات أو تبدل الظروف الدولية، مضيفًا: "الحرب الأخيرة لم تغيّر هذا القرار، بل ثبّتته، بل إن إيران تعتبر نفسها خرجت منها منتصرة". (سكاي نيوز)