رأى الباحثان لورنس جاي. كورب، زميل أول في مركز التقدم الأميركي، وستيفن سيمبالا، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ولاية بنسلفانيا، من أن الضربات الجوية الأميركية الأخيرة ضد أهداف عسكرية إيرانية لن تكون كافية لردع طهران عن مواصلة حروبها بالوكالة وسعيها نحو امتلاك سلاح نووي.
وأوضح الباحثان في مقال مشترك بموقع "ناشونال إنترست" أن
الولايات المتحدة نفذت، في أواخر حزيران الماضي، واحدة من أكثر عملياتها تعقيداً ضد
إيران، مستخدمة قاذفات الشبح المتطورة B-2 Spirit، وصواريخ خارقة للتحصينات من طراز GBU-57 MOP، لاستهداف مواقع نووية تحت الأرض في نطنز وفوردو.
كذلك، دعمت الهجوم غواصة هجومية أميركية بإطلاق أكثر من ثلاثين صاروخ توماهوك استهدفت منشآت دعم في أصفهان.
ورغم أن هذه العملية، المعروفة بـ "مطرقة منتصف الليل"، نجحت في إحداث دمار بالغ في منشآت التخصيب ومنظومات الدفاع الجوي والبنية التحتية للقيادة والسيطرة
الإيرانية، يقول الكاتبان إن هذه الضربات لن تكون كافية لكبح جماح استراتيجية إيران الإقليمية أو ثنيها عن مشروعها
النووي طويل الأمد.
وأوضح الكاتبان أنه لا يمكن فهم تصرفات إيران من زاوية المصلحة السياسية البحتة أو الحسابات البراغماتية، بل لا بد من النظر إليها ضمن إطار عقائدي مذهبي راسخ، حيث لا تزال طهران تنظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها "الشيطان الأكبر"، وإلى
إسرائيل كامتداد للنفوذ الأمريكي في المنطقة.
وأكد الباحثان أن هذه النظرة العقائدية تشكل القوة الدافعة وراء إصرار طهران على امتلاك سلاح نووي، بما يعزّز مكانتها الإقليمية ويمكّنها من ردع خصومها في
الشرق الأوسط وخارجه.
وأشار الكاتبان إلى أن النظام
الإيراني لديه سجل طويل من مقاومة الضغوط الخارجية، إذ تمكن من النجاة من حرب استمرت ثماني سنوات مع
العراق، ومن حصار اقتصادي شديد استمر لعقود.
واستبعد الكاتبان أن تؤدي ضربة عسكرية واحدة، حتى لو كانت مؤلمة، إلى تغيير جذري في سلوك النظام، بل ربما تؤدي إلى مزيد من التشدد والتصعيد في سياساته الخارجية.
وسلط الكاتبان الضوء على حروب الوكلاء التي تخوضها إيران في المنطقة باعتبارها ركيزة أساسية في استراتيجيتها الدفاعية والهجومية، فيما أشارا إلى أن طهران طورت شبكة واسعة من الجماعات المسلحة التابعة لها، بدءاً من
حزب الله في
لبنان، مروراً بالجماعات الشيعية في العراق، والحوثيين في اليمن، وصولاً إلى دعم حركات مثل
حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين.
وأوضح الكاتبان أن هذه الشبكة تمنح إيران القدرة على شن هجمات غير مباشرة، وتوسيع نطاق نفوذها الجيوسياسي، دون أن تتورط بشكل مباشر في نزاعات مكلفة، بل إن هذه الحروب بالوكالة تسمح لطهران بالحفاظ على توازن ردعي، وخلق نوع من الضغط الدائم على الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
ورغم الإشادة الدقيقة بكفاءة القوات الأميركية وقدرتها على توجيه ضربات استراتيجية، رأى الكاتبان أن الاعتماد المفرط على القوة الصلبة لا يُفضي بالضرورة إلى تحقيق نتائج سياسية مستدامة، كما أشارا إلى أن إيران تمتلك خبرة طويلة في امتصاص الضربات وتكييف استراتيجياتها وفقاً للظروف المتغيرة.
ولذلك، يقول الكاتبان، إن الرد الأميركي ينبغي ألا يقتصر على الضربات العسكرية فحسب، بل يجب أن يترافق مع جهد
دبلوماسي ممنهج، وعقوبات اقتصادية دقيقة، ودعم للحلفاء الإقليميين لمواجهة نفوذ إيران الخفي.
وشدد الكاتبان على ضرورة أن تعيد
واشنطن تقييم أهدافها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، وألا تقع في فخ التصعيد المفتوح أو الردود الانفعالية.
ودعا الكاتبان إلى تبني نهج شامل يجمع بين الردع العسكري والعمل السياسي، بالتوازي مع تحصين الشراكات الإقليمية وإيجاد سبل جديدة لاحتواء التهديد الإيراني دون الانجرار إلى صراع واسع النطاق.
وحذر الكاتبان من الرهان على العمليات العسكرية وحدها لإحداث تحول في سلوك النظام الإيراني، ودعا إلى فهم أعمق للمحفزات العقائدية والاستراتيجية التي تحرك سياسة طهران الخارجية، لا سيما في ما يتعلق بحروب الوكالة والطموح النووي. (24)