يبدو أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يعيش أصعب لحظاته السياسية منذ بداية الغزو الروسي، بعدما تفجّرت احتجاجات شعبية لافتة رفضاً لتعديلات تشريعية تُقوّض استقلالية الهيئات المعنية بمكافحة الفساد، ما فتح الباب أمام ما يُشبه "أزمة شرعية" داخلية تهدد مستقبله السياسي.
وفي خطوة لافتة، خرج رئيس الاستخبارات العسكرية كيريلو بودانوف بتصريحات حذّر فيها من انزلاق البلاد نحو الانقسام، داعياً إلى إطلاق "حوار علني"، في وقت تتنامى فيه التكهنات حول نواياه بدخول المعترك الرئاسي عبر واجهة مدنية واجتماعية بدأت تتبلور.
كلمات بودانوف، الذي يُعتقد أنه بصدد تأسيس حزب سياسي جديد، حملت نبرة تحذير من "انفجار داخلي محتمل"، وهو ما اعتبره مراقبون محاولة مبكرة لوضع نفسه في مواجهة مباشرة مع زيلينسكي، الذي يواجه بالفعل غضباً شعبياً متصاعداً.
ورغم أن الرئيس الأوكراني تراجع سريعاً عن الخطوة التشريعية التي فجّرت الأزمة، إلا أن التظاهرات استمرّت بزخم متزايد، وسط شوارع العاصمة
كييف، في مشهد غير مألوف منذ بداية الحرب قبل ثلاث سنوات. هذا ما أجمعت عليه صحف غربية بارزة مثل التيليغراف والتايمز، اللتين رصدتا كيف فقد زيلينسكي الكثير من وهجه في أعين جزء من
المجتمع الدولي.
وتذهب التايمز إلى حد وصف القرار الرئاسي الذي يستهدف مؤسسات مثل "نابو" و"سابو" بأنه مقامرة سياسية خطيرة قد تُجهض طموحات كييف في الانضمام إلى
الاتحاد الأوروبي، وتنسف الصورة التي بناها زيلينسكي كرمز للمقاومة
الديمقراطية.
ما يزيد تعقيد المشهد، أن الانتقادات لم تقتصر على نشطاء
المجتمع المدني، بل تسللت إلى داخل الجيش الأوكراني نفسه. فقد عبّر عدد من الضباط والجنود عن امتعاضهم من السياسات الرئاسية، محذّرين من أن تقويض جهود مكافحة الفساد "يضعف الروح المعنوية على
الجبهة"، ويبعث برسائل خاطئة حول أهداف الحرب.
ووصف جندي يُدعى فيتالي أومانيتس هذه التطورات بأنها "خيانة لتضحيات المقاتلين"، داعياً إلى مواصلة الضغط الشعبي، بينما اعتبر ضابط آخر – فضّل عدم
الكشف عن اسمه – أن ما يجري هو "تشتيت قاتل عن المعركة الحقيقية".
في هذا السياق، يُنظر إلى تصريحات بودانوف على أنها ليست فقط سياسية، بل محسوبة بدقة، خصوصاً أن رئيس الاستخبارات العسكرية بدأ بتوسيع نشاطه داخل البلاد من خلال جمعيات خيرية، ما يُفسَّر على أنه بناء قاعدة دعم سياسي مستقبلي.
من المعروف أن ولاية زيلينسكي الدستورية كان يُفترض أن تنتهي في أيار 2024، لكن الحرب أدّت إلى تعليق الانتخابات إلى أجل غير مسمّى. ويعتقد مراقبون أن الرئيس الأوكراني يحاول تحصين موقعه مبكراً استعداداً لمرحلة ما بعد الحرب، وسط مؤشرات على رغبته في ولاية جديدة.
في المقابل، يُنظر إلى بودانوف كأحد أبرز المنافسين المحتملين، خصوصاً أن تقارير صحافية أشارت إلى اتفاق ضمني سابق بين الرجلين، مفاده أن يمتنع رئيس الاستخبارات عن منافسة زيلينسكي في حال قرر الأخير الترشح مجدداً.