Advertisement

خاص

كيف يمكن أن يُنذر اشتعال أحداث السويداء بأزمة وطنية أعمق؟

ترجمة رنا قرعة قربان - Rana Karaa Korban

|
Lebanon 24
26-07-2025 | 10:30
A-
A+
Doc-P-1396752-638891179538409342.jpg
Doc-P-1396752-638891179538409342.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
ذكر موقع "Middle East Eye" البريطاني أنه "بعد سبعة أشهر من انهيار نظام بشار الأسد، تتعرض العملية الانتقالية الهشة في سوريا لضغوط شديدة. فبالإضافة إلى عدم الاستقرار السياسي، تواجه البلاد أزمة هوية وتمثيل عميقة. وتصاعدت التوترات في الجنوب، حيث أجبرت مواجهة عنيفة في السويداء الحكومة الانتقالية على مواجهة محدودية نفوذها وشرعيتها. وقد أدت سلسلة من الغارات الجوية الإسرائيلية على مواقع عسكرية في دمشق ومواقع حكومية قرب السويداء، والتي قُدّمت على أنها جهود لحماية الأقلية الدرزية، إلى تفاقم ضعف السلطات المركزية ودفعت إلى تعبئة أوسع بين القوى القبلية والمحلية".
Advertisement

وبحسب الموقع، "يقع في قلب هذه الاضطرابات المجتمع الدرزي، وهو أقلية دينية صغيرة ولكنها ذات أهمية تاريخية تتركز في جنوب سوريا. لطالما وقف الدروز على هامش السياسة الوطنية السورية، مطالبين باستقلالهم المحلي دون السعي إلى مواجهة شاملة مع دمشق. لكن عقودًا من الإهمال الاقتصادي، إلى جانب الفراغ الأمني وغياب التمثيل السياسي، عمّقت الإحباطات، لا سيما بين الدروز الشباب. وبرز هذا السخط الكامن خلال حركة احتجاجات السويداء عام 2023، حيث دعا المتظاهرون إلى رحيل الرئيس السابق بشار الأسد. وشكّلت هذه الحركة نقطة تحول: تأكيد على مطالب مدنية مُغلفة بالهوية الطائفية، حيث دعا البعض إلى الفيدرالية أو اللامركزية الحقيقية كخيار وحيد قابل للتطبيق للمضي قدمًا. في هذه الأثناء، تواصل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) العمل خارج نطاق سلطة الحكومة الانتقالية في شمال شرق سوريا، ورفضها الاندماج في هيكل عسكري وطني يتجاوز مجرد مقاومة مؤسسية، بل يعكس رؤية متنافسة لمستقبل سوريا. ويؤكد هذا الجمود، إلى جانب التوترات المتزايدة بين قوات سوريا الديمقراطية وتركيا، على التحدي المتمثل في التوفيق بين مجموعة المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي في سوريا وأي فكرة عن دولة موحدة".

وتابع الموقع، "تواجه سوريا ثلاث أزمات مترابطة: الحراك الدرزي في السويداء، والجمود السياسي في الشمال الشرقي، وعجز الحكومة الانتقالية عن إدارة التنوع في سوريا. وقد أصبحت إسرائيل وتركيا الفاعلين الإقليميين الأكثر نفوذاً في مرحلة ما بعد الأسد. من دون صيغة سياسية جديدة تعترف بالحكم الذاتي المحلي والحكم المشترك، تُواجه سوريا خطر مزيد من التشرذم، وقد تُصبح السويداء سابقةً لا استثناءً. ورغم أن السويداء حافظت على استقرار نسبي خلال معظم فترة الحرب الأهلية السورية، إلا أن هذا الاستقرار حجب مظالم طويلة الأمد بين الدروز والمجتمعات البدوية المجاورة، متجذرة في نزاعات على ملكية الأراضي وتوترات بين أنماط الحياة المستقرة والبدوية. وقد اشتعلت الاشتباكات ثم خفت حدتها على مر العقود".

وأضاف الموقع، "بدأت جولة العنف الأخيرة بنزاع محلي، لكنها سرعان ما تصاعدت إلى صراع أوسع نطاقًا، استخدم فيه أسلحة ثقيلة وسقط فيه عدد متزايد من الضحايا. نُشرت قوات حكومية لاحتواء الموقف، لكن الدروز اعتبروا تدخلها على نطاق واسع متحيزًا واستفزازيًا. وبُرِّرت الغارات الجوية الإسرائيلية التي تلت ذلك علنًا على أنها إجراءات لحماية الدروز. لكن بدلًا من تهدئة الوضع، كشفت عن هشاشة الحكومة الانتقالية وفراغ السلطة في الجنوب. ومع انسحاب القوات الحكومية من مناطق رئيسية، عمّق غيابها الشعور بانعدام الأمن. وما بدأ كصراع بسيط سرعان ما تحول إلى أزمة وطنية، مما أثار مخاوف من صراع طائفي وقبلي أوسع. وهكذا، وجدت الحكومة الانتقالية نفسها أمام خيارين: إما استعادة السيطرة والمخاطرة بتأجيج التوترات، أو التراجع والسماح للجهات الفاعلة المحلية بملء الفراغ. ولا يُقدم أيٌّ من الخيارين مسارًا واضحًا للمضي قدمًا".

وبحسب الموقع، "في الوقت عينه، لا يزال الشمال الشرقي عالقًا في مأزق سياسي وإقليمي. ويعكس رفض قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ذات القيادة الكردية الاندماج في الهيكل العسكري الوطني رؤيتها المختلفة جذريًا لسوريا. وتُصرّ قيادة قوات سوريا الديمقراطية على الحفاظ على نموذج الحكم الذاتي الذي طورته خلال الحرب، والقائم على اللامركزية والتمثيل المتعدد الأعراق. بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية، تُنذر أي عودة إلى السيطرة المركزية بتراجع المكاسب التي تحققت بشق الأنفس، مما يُهدد التوازن الإقليمي الهش. لكن بالنسبة لدمشق، يُعدّ إضفاء الطابع الرسمي على الحكم الذاتي الإقليمي خطًا أحمر، وتخشى الإدارة من أن يؤدي ذلك إلى تفتيت البلاد وإضعاف موقفها".

وتابع الموقع، "تعثرت المفاوضات بين قوات سوريا الديمقراطية والسلطات الانتقالية السورية، والوضع متوتر. وتواصل تركيا الضغط عسكريًا على طول الحدود، وسياسيًا من خلال دعمها للفصائل المسلحة المعارضة للحكم الذاتي الكردي. في غضون ذلك، أبقت الولايات المتحدة على وجود محدود، وتواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية في قتال فلول تنظيم الدولة الإسلامية. إلا أن واشنطن أوضحت أن دعمها ليس مفتوحًا، وأنها تتوقع أن تنبثق تسوية سياسية طويلة الأمد من داخل سوريا. في الشمال الشرقي، كما في الجنوب، لا تقتصر القضية الجوهرية على من يسيطر على الأرض، بل على أي شكل من سوريا سينبثق من أنقاض النظام القديم. ويعكس هذا الجمود فشلاً أعمق للحكومة الانتقالية في توفير إطار سياسي واسع بما يكفي لاستيعاب المطالب المتنافسة. فبدلاً من استقطاب الفصائل المختلفة إلى مشروع وطني مشترك، تُخاطر الدولة الجديدة بأن تصبح مجرد مركز آخر للمقاومة".

وأضاف الموقع، "بينما تكافح حكومة الرئيس أحمد الشرع الانتقالية لفرض سلطتها الحقيقية على مشهدٍ ممزقٍ بشدة، فإن السلطة الحقيقية في العديد من المناطق لا تكمن في أيدي المؤسسات الوطنية، بل في أيدي الفصائل المحلية والمجالس القبلية. الخدمات العامة غير متسقة، ومؤسسات الدولة تعاني من نقص الموارد، وآليات المساءلة غائبة إلى حد كبير. كما وينظر العديد من المجتمعات إلى وجود القوات الحكومية ليس كخطوة نحو إعادة بناء الثقة، بل كعودةٍ لدولةٍ قسريةٍ لطالما رفضتها".

وبحسب الموقع، "من دون رؤية موثوقة للشمول السياسي وتقاسم السلطة، لا يقتصر الخطر على بقاء السويداء مضطربة، بل يكمن في أن تصبح تجربتها نموذجًا يُحتذى به في مناطق أخرى، كلٌّ منها ينغلق على ذاته، ويؤكد هياكل سلطته، وينفصل عن مركز لا يقدم سوى القليل من الخطابة. لا يزال مستقبل سوريا السياسي غامضًا للغاية. لم ترث الحكومة الانتقالية دولةً مفككة فحسب، بل ورثت مجتمعًا مجزأً يفتقر إلى رؤية مشتركة لما هو آتٍ. إن النتيجة الأكثر إيجابية ستكون التوصل إلى شكل تفاوضي من اللامركزية، شكل يعترف بالحقائق على الأرض ويمنح مناطق مثل السويداء والشمال الشرقي حكما ذاتيا ذا معنى ضمن إطار وطني أوسع. إن مثل هذا النموذج لن يحل كل التوترات، ولكنه قد يوفر الأساس للتعايش، ويعترف بالتنوع باعتباره سمة بنيوية لسوريا الجديدة، وليس تهديداً لوحدتها".

وتابع الموقع، "لكن المسار الأكثر ترجيحًا هو استمرار التشرذم. في هذا السيناريو، ستبقى البلاد سليمة رسميًا، لكنها مقسمة وظيفيًا إلى مناطق نفوذ متنافسة، لكل منها منطقها السياسي وأجهزتها الأمنية ورعاتها الخارجيين. ومن شأن هذا النموذج أن يُرسّخ عدم المساواة ويؤجج الاستياء بين المناطق. أما المسار الأخطر فهو انزلاق متجدد نحو حرب أهلية. فإذا استمرت الحكومة الانتقالية في فرض سيطرتها المركزية دون شرعية، وإذا لم تجد الجهات الفاعلة المحلية أي مجال للمشاركة السياسية الحقيقية، فقد تُشعل التعبئة القائمة على الهوية دورة جديدة من العنف. لكن هذه المرة، لن تكون خطوط المواجهة بين النظام والمعارضة، بل ستبرز من المجتمعات المتنافسة، والسلطات التي نصبت نفسها، والرؤى المتنازع عليها للدولة". 

وختم الموقع، "لم تعد سوريا في حالة حرب، لكنها ليست في حالة سلام أيضًا. أزال سقوط نظام الأسد ركيزةً أساسيةً من ركائز الحكم الاستبدادي، لكنه لم يُحلّ المسائل الأعمق المتعلقة بالهوية والتمثيل والحكم، والتي لا تزال تُقسّم البلاد. أزمة السويداء ليست حدثًا معزولًا، بل هي تحذيرٌ من أنه في غياب تغييرات هيكلية، قد تتبع مناطق أخرى مسارًا مشابهًا، وتنغلق على نفسها للدفاع عن مصالحها. ما نشهده قد لا يكون استثناءً، بل قد يكون المستقبل". 
 
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك

ترجمة رنا قرعة قربان - Rana Karaa Korban