ذكر موقع "Worldcrunch"
الفرنسية أنه "منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، انتهجت
الولايات المتحدة استراتيجية في
الشرق الأوسط تقوم على ثلاثة أهداف أساسية: السيطرة على موارد الطاقة، وضمان أمن
إسرائيل وتفوقها، واحتواء أي قوة مستقلة أخرى في المنطقة، وفي مقدمتها النظام الإسلامي في
إيران. إن الحرب في العراق، والتدخلات في
سوريا وليبيا، والعلاقات المتناقضة مع المملكة العربية
السعودية ودول الخليج الأخرى، والدعم غير المشروط لإسرائيل، كانت كلها تعبيرات عن هندسة الهيمنة التي تنتهجها واشنطن. لكن في السنوات الأخيرة، تآكلت شرعية القيادة الأميركية العالمية بشكل ملحوظ، وكان ذلك نتيجةً للإخفاقات في أفغانستان والعراق، والعجز عن إدارة الحروب في أوكرانيا وغزة، وتفاقم الخلافات مع حلفائها
الأوروبيين. وفي هذا الفراغ، حاولت الصين التدخل باستراتيجية رصينة ومدفوعة بالاقتصاد".
وبحسب الموقع، "مع ذلك فإن التراجع الأميركي في المنطقة يظل نسبيا، إذ لا تزال واشنطن تحتفظ بأدوات قوية: الدولار، والقوة العسكرية، والتحالفات الاستراتيجية العالمية، وقبل كل شيء إسرائيل. لعقود، اعتبرت تل أبيب نفسها ضحيةً لمنطقة معادية وغير مستقرة، لكننا نشهد الآن محاولاتها لإعادة تعريف دورها كقوة اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية. لقد صدم العالم انتصارها الخاطف في حرب حزيران التي استمرت 12 يومًا ضد المنشآت النووية
الإيرانية. ولم تُقضِ هذه العملية على طموحات طهران النووية فحسب، بل رسّخت مكانة إسرائيل كقوة عسكرية لا تُضاهى في المنطقة".
وتابع الموقع، "لقد حوّل مشروع الممر الاقتصادي الاستراتيجي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) إسرائيل إلى مركز رئيسي بين الشرق والغرب. وبدعم من واشنطن والرياض ونيودلهي والاتحاد
الأوروبي، تبرز الدولة اليهودية اليوم كحلقة وصل محورية في السلسلة الاقتصادية الجديدة التي تُهمّش منافسين مثل تركيا وإيران، وحتى
روسيا. وبينما تواجه السعودية تحولاً داخلياً، وتعاني تركيا من أزمات اقتصادية وسياسية، تُمثل إسرائيل القوة الإقليمية الوحيدة القادرة على الجمع بين الاستقرار السياسي النسبي والابتكار التكنولوجي والردع العسكري. إلا أن هذا النجاح له ثمن: إذ تدخل إسرائيل الآن مرحلة من التنافس الهيكلي مع قوى إقليمية أخرى "محتملة مستقبلاً"، وخاصة إيران".
وبحسب الموقع، "لأكثر من أربعة عقود، حُكمت إيران بنظام أيديولوجي وثوري، حوّلها إلى قوة فاعلة مزعزعة للاستقرار في المنطقة. ومن خلال شبكة من الفصائل التابعة، بدءًا من تمويل
حزب الله وقوات الحشد الشعبي العراقي، وصولًا إلى طموحه لامتلاك أسلحة نووية، أصبح النظام الإسلامي تهديدًا لأمن إسرائيل وعقبةً أمام النظام الذي يقوده الغرب. ومع ذلك، فإن العزلة الاقتصادية والسياسية قد حكمت على الشعب
الإيراني بالفقر والقمع واليأس. فبعد تدمير بنيته التحتية النووية وغياب الدعم الملموس من الصين وروسيا، أصبح نظام طهران اليوم أضعف من أي وقت مضى، مما يتيح فرصة تاريخية للشعب الإيراني للانطلاق في طريق الحرية. لكن الطريق لن يكون سهلاً".
منافسة لا مفر منها
وبحسب الموقع، "إذا تحررت إيران يومًا ما من الحكم الديني، فسيكون من الطبيعي أن يسعى شعبها إلى استعادة دورها التاريخي في المنطقة. فمع حضارة عريقة، وموارد طبيعية هائلة، وموقع جيوستراتيجي مزدهر، وشعب مثقف وديناميكي، تمتلك إيران كل المؤهلات اللازمة للظهور كقوة إقليمية. لكن الطريق إلى القوة لن يكون مستقيمًا. يجب على المعارضة الديمقراطية الإيرانية، بكل أطيافها، أن تدرك أن عالم
المستقبل سيُهيمن عليه التنافس. إذا أرادت إيران الحرة أن تبرز كقوة عظمى، فستدخل حتمًا في منافسة مباشرة مع إسرائيل، وهي دولة تسعى، بفضل الدعم الكامل من الولايات المتحدة، والتكنولوجيا المتقدمة، والاستراتيجيات الاقتصادية الذكية، إلى ترسيخ مكانتها كقوة إقليمية فريدة لا يُنازعها أحد. لا تكتفي إسرائيل بالتفوق العسكري والاقتصادي، بل تسعى أيضًا إلى تحييد أي منافس محتمل، لا سيما إيران والسعودية وتركيا. لذا، يجب على قادة إيران المستقبليين تجنب السذاجة: فنجاح الأمة وحريتها يتطلبان رؤيةً وإرادةً سياسيةً ووحدةً لمقاومة أي شكل من أشكال الهيمنة".
وتابع الموقع، "لن تقتصر المنافسة المستقبلية بين إيران وإسرائيل على الجانب العسكري فحسب، بل ستكون صراعًا على الابتكار والنفوذ الإقليمي والدبلوماسية الاستراتيجية والسيطرة على الخطاب. وتعمل إسرائيل على تحويل نفسها إلى المحرك الاقتصادي للشرق الأوسط، من خلال مشاريع مثل IMEC ودورها في التكنولوجيا الرقمية. وإذا كانت إيران تريد المنافسة، فسوف تحتاج إلى الشروع في ثورة صناعية وتكنولوجية، وتحرير جامعاتها، وعولمة اقتصادها، وتأسيس سياستها الخارجية على أسس براغماتية، وليس أيديولوجية. علاوة على ذلك، ستحتاج إيران إلى بناء شبكة من التحالفات الثقافية والاقتصادية والأمنية مع آسيا الوسطى والقوقاز والهند وبعض الدول العربية. وإذا استطاعت تقديم نفسها كشريك مساوٍ، لا كتهديد أو تابع، فستتمكن من لعب دور قيادي على طاولة القوى العظمى، ولن يكون الحوار مع إسرائيل بعد الآن علامة ضعف، بل دليلاً على الثقة الوطنية. إسرائيل هي المسيطرة حاليًا، لكن المستقبل يعتمد على إرادة الشعب. يمكن للتنافس بين إيران وإسرائيل أن يتحول إلى دافع للتقدم، شريطة أن تكون إيران حرة ومستقلة ومتحدة. لا يوجد مصير لا رجعة فيه إذا اختار الشعب عدم الاستسلام".
دور الصين
وبحسب الموقع، "وفي هذا السياق المتغير، تقترح الصين بديلاً بعيداً كل البعد عن المنطق العسكري. من خلال مبادرة الحزام والطريق، تُركز بكين على البنية التحتية والروابط الاقتصادية والتكنولوجية بدلاً من التحالفات العسكرية، وقد مكّنها هذا النهج من الحفاظ على علاقات متوازنة مع إسرائيل وإيران والمملكة العربية السعودية ومصر في آنٍ واحد. وأظهرت الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران أن الصين لا تزال غير مستعدة للمخاطرة بمواجهة مباشرة مع واشنطن أو تل أبيب دفاعًا عن حلفائها المناهضين للغرب مثل طهران. وحتى في ظل النظام المتعدد الأقطاب الناشئ، تتمتع إسرائيل بمكانة متميزة في نظر كل القوى الجيوسياسية الرئيسية".
وتابع الموقع، "في عالم حيث أصبحت إسرائيل قوة اقتصادية وعسكرية، بدعم من الولايات المتحدة، مع سعي الصين إلى الحياد النشط، وعمل الدول العربية على إعادة تعريف نفسها، فسوف يتعين على إيران ما بعد الإسلامية أن تجيب على سؤال حاسم: كيف تتوقع أن تمارس دورًا استراتيجيًا في النظام العالمي الجديد؟ يعتمد الجواب على الإرادة الجماعية، وجودة القيادة السياسية، والقدرة على تحديد المصالح الوطنية بوضوح. ثلاثة عوامل ستكون حاسمة: أولًا، نهضة هوية وطنية قائمة على التماسك الداخلي والديمقراطية. ثانيًا، بناء تحالفات ذكية ومتعددة الأطراف، وإقامة علاقات مع أوروبا والهند وآسيا الوسطى والعالم العربي، قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون الاقتصادي. وأخيرًا، القدرة على إعادة صياغة العلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة، على أساس الدبلوماسية والكرامة والمصلحة الوطنية".
الفوضى أم النهضة؟
بحسب الموقع، "لا تزال الاستراتيجية الأميركية الكبرى قائمة على الهيمنة من خلال التحالفات العسكرية والشركاء الإقليميين مثل إسرائيل. وبفضل IMEC، أصبحت إسرائيل مركزًا اقتصاديًا عابرًا للقارات، لكن هذا النجاح، إذا بُني على إقصاء أو إضعاف قوى إقليمية أخرى مثل إيران، قد يُولّد حالة من عدم الاستقرار المزمن. إن إيران المحررة، إذا اغتنمت هذه الفرصة التاريخية، ستتمكن ليس فقط من ضمان بقائها، بل أيضًا من المساهمة بفعالية في بناء نظام أكثر عدلًا، نظام لا يخضع فيه أي شعب للهيمنة ولا تكون فيه أي سلطة مطلقة. هذه المهمة، وإن كانت شاقة، إلا أنها ممكنة، شريطة أن يرشدنا الإيمان بالحرية والهوية الوطنية والجماعية إلى الطريق الصحيح".