أعلن رئيس الوزراء البريطاني، السير كير ستارمر، أن حكومته ستعترف رسميًا بدولة فلسطين في أيلول المقبل، ما لم توافق إسرائيل على وقف إطلاق النار وتبنّي حل الدولتين، في تحوّل لافت في السياسة البريطانية تجاه النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني. وجاء هذا التعهد عقب اجتماع وزاري طارئ عبر الفيديو، عرض خلاله ستارمر خطته للسلام في الشرق الأوسط، والتي جرى التوافق عليها خلال عطلة نهاية الأسبوع مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرز. وتزامن الإعلان مع تحذيرات منظمات دولية من وقوع "أسوأ سيناريو للمجاعة" في قطاع غزة، ودعوات دولية إلى السماح بدخول المساعدات إلى القطاع المحاصر. وقد دعا ستارمر حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى وقف تكتيكات التجويع فورًا.
وفي وقت تتزايد فيه الضغوط داخل حزب العمال لدفع الحكومة إلى الاعتراف بالدولة
الفلسطينية، جاءت تصريحات ستارمر متقاربة مع موقف باريس، التي أعلنت أنها ستُصدر قرارها الرسمي بالاعتراف خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر المقبل.
وبالتزامن، يُشارك
وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، في مؤتمر أممي يُعقد في نيويورك، حيث يعتزم الدعوة إلى دعم دولي واسع لحل الدولتين بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
ما هو تأثير الاعتراف البريطاني بدولة فلسطين؟
تقول الدكتورة جولي نورمان، الأستاذة المشاركة في جامعة لندن والمتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، إن الاعتراف البريطاني بفلسطين، حتى وإن لم يُترجم إلى اعتراف من
الأمم المتحدة – بسبب احتمال اعتراض
الولايات المتحدة – سيظل "خطوة رمزية ذات أهمية سياسية ودبلوماسية كبيرة".
وترى نورمان أن هذا الاعتراف سيكون بمثابة "التزام أخلاقي واضح وموقف حاسم تجاه حق
الفلسطينيين في تقرير المصير"، مضيفة أن الأثر المباشر قد يكون أكثر وضوحًا في لندن – مثل فتح سفارة فلسطينية – مقارنة بما قد يتغيّر على الأرض في رام الله أو غزة.
وتُشدد على أن الاعتراف لا يشمل حماس، المصنفة كمنظمة إرهابية من قبل المملكة المتحدة، مشيرة إلى أن السلطة الفلسطينية ستظل الشريك
الرئيسي للتواصل الرسمي.
خلفية حل الدولتين
تعود جذور حل الدولتين إلى خطة التقسيم التي اقترحتها الأمم المتحدة عام 1947، والتي دعت إلى إقامة دولة يهودية وأخرى عربية. غير أن الحرب التي تلت إعلان قيام إسرائيل عام 1948 حالت دون تنفيذها.
وفي أعقاب حرب عام 1967، سيطرت إسرائيل على الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، وهي الأراضي التي يُطالب
الفلسطينيون بها لإقامة دولتهم المستقبلية. ومنذ تسعينيات القرن الماضي، شكّل هذا التصور الإطار العام لمعظم مبادرات السلام.
غير أن توسع المستوطنات
الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة – والتي يُعتبرها القانون الدولي غير شرعية – يمثل عقبة مركزية أمام تنفيذ هذا الحل.
ماذا يعني هذا القرار للاجئين الفلسطينيين؟
بحسب السير فينسنت فين، القنصل البريطاني العام السابق في القدس، فإن الاعتراف بدولة فلسطين يعني ضمنًا أن المملكة المتحدة ستتعامل مع جوازات السفر الفلسطينية المستقبلية كوثائق صادرة عن دولة ذات سيادة. لكنه أكد أن هذا لن يغيّر من نظام التأشيرات أو من سياسة الهجرة البريطانية تجاه اللاجئين الفلسطينيين.
وأضاف فين أن الاعتراف "لن يُلغي أو يُقلّص حق العودة"، الذي يبقى مسألة تفاوضية تُعالج ضمن أي تسوية شاملة للنزاع.
ماذا عن التمثيل الدبلوماسي والتواصل مع السلطة الفلسطينية؟
يوضح السير فينسنت أن بريطانيا "تعترف بالدول لا بالحكومات"، مما يعني أن الاعتراف لا يعني دعمًا لحكومة بعينها، بل لفكرة الدولة ذاتها. ويُضيف أن الرئيس محمود عباس سيظل الطرف المعتمد للتواصل الرسمي، كونه ممثل السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير.
كما شدد على أن فرص فوز حماس بأي انتخابات فلسطينية مقبلة "محدودة للغاية"، وأن خطط إعادة هيكلة الحكم في قطاع غزة بالتعاون مع السلطة ستكون محور نقاش في اجتماع الأمم المتحدة المرتقب.
موقف دولي آخذ في التغيّر
في سياق متصل، أعلنت فرنسا مؤخرًا نيتها الاعتراف بدولة فلسطين، في خطوة وُصفت بأنها الأولى من نوعها بين القوى الغربية الكبرى. وكان كل من إسبانيا وأيرلندا والنرويج قد أعلنوا اعترافهم الرسمي في العام الماضي، مع تأكيدهم على أن حدود الدولة الفلسطينية المرجعية هي تلك التي سبقت حرب 1967، مع إمكانية تعديلها لاحقًا عبر التفاوض.
وتعترف حاليًا أكثر من 140 دولة من أصل 193 عضوًا في الأمم المتحدة بفلسطين كدولة، بما في ذلك
روسيا، الصين، والهند، في حين يظل عدد الدول الأوروبية المعترفة محدودًا.
وقد تم في عام 2012 رفع وضع فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى "دولة غير عضو" بدلًا من "كيان"، ما منحها بعض الامتيازات الدبلوماسية الدولية.
هل الاعتراف البريطاني يمكن أن يغير المعادلة؟
تقول الدكتورة نورمان إن انضمام بريطانيا وفرنسا إلى صفوف الدول الداعمة للاعتراف سيكون "تطورًا دبلوماسيًا ذا وزن"، وقد يشجّع دولًا مثل كندا على اتخاذ خطوات مماثلة. وأضافت أن هذا المسار يعزل الولايات المتحدة بوصفها الداعم الرئيس لإسرائيل الرافض لفكرة الاعتراف، ويُبرز تماسكًا دوليًا متزايدًا حول حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم.
وتختم بالقول: "قد لا يكون لنا نفس الثقل العسكري للولايات المتحدة، لكن لدينا نفوذ دبلوماسي علينا استخدامه. إن الاعتراف بدولة فلسطين هو رسالة واضحة بأن أوروبا لا تزال ملتزمة بحل الدولتين، ولن تسمح بزواله من الأجندة الدولية". (independent)