رغم انفتاح الرئيس الأميركي
دونالد ترامب مجددًا على الحوار مع كوريا الشمالية، إلا أن الملف النووي لبيونغ يانغ يبدو أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، في ظل شروط متشددة يفرضها الكوريون الشماليون، ومطالب أميركية لا تزال عند سقف مرتفع لم يتزحزح منذ أول قمة بين
ترامب وكيم جونغ أون قبل سنوات.
ويجمع خبراء في العلاقات الدولية على أن أي انفراجة حقيقية في الأزمة النووية الكورية لن تتحقق دون استعداد
واشنطن لتقديم تنازلات جوهرية، تتصدرها مسألة رفع
العقوبات الاقتصادية الشديدة المفروضة على كوريا الشمالية. في المقابل، تبدو بيونغ يانغ أكثر استعدادًا من أي وقت مضى لتسويق تكنولوجيتها النووية بحثًا عن مكاسب مادية، في تحدٍ صارخ للضغوط الغربية.
بيونغ يانغ ترفع السقف: الاعتراف أولًا
في بيان رسمي نقلته
وكالة الأنباء الكورية المركزية، أكدت كيم يو جونغ، شقيقة الزعيم كيم جونغ أون، أن الشرط الأول لاستئناف الحوار مع واشنطن هو اعتراف
الولايات المتحدة بكوريا الشمالية كقوة نووية، معتبرة أن أي حديث عن تواصل غير مشروط هو مجرد "أمل أميركي فارغ".
ويأتي ذلك وسط تسريبات عن استعداد بيونغ يانغ لتوسيع نطاق تصدير خبراتها النووية لدول أخرى، وهو ما يثير قلقًا متزايدًا في الدوائر الأمنية الغربية. وبحسب محللين، فإن
إيران استفادت سابقًا من التعاون مع علماء كوريين شماليين، وقد تُفتح الآن شهية دول أخرى في آسيا وإفريقيا على التكنولوجيا النووية مقابل أثمان سياسية واقتصادية.
ترامب: يريد "إنجازًا مجانيًا"
من جهته، لا يزال الرئيس الأميركي يسعى إلى ما وصفه الخبراء بـ"صفقة نووية بلا مقابل"، وهو ما يراه محللون ضربًا من الوهم. ويقول الخبير في الشؤون الأميركية نعمان أبو عيسى لـ"إرم نيوز"، إن ترامب يتعامل مع الملف الكوري بعقلية رجل الصفقة لا الاستراتيجية، ويريد نتائج فورية ترفع من رصيده الدولي دون أن يضطر إلى دفع ثمن سياسي أو اقتصادي.
لكن الواقع، وفق أبو عيسى، أكثر تعقيدًا، خاصة أن كوريا الشمالية باتت جزءًا من شبكة تحالفات عسكرية تشمل
روسيا والصين وإيران وباكستان، وتشترك – بشكل مباشر أو غير مباشر – في دعم موسكو عسكريًا في أوكرانيا.
مناورات أميركية.. واستفزازات دائمة
تستند كوريا الشمالية في تشددها أيضًا إلى واقع أمني تعتبره مهددًا: المناورات العسكرية المستمرة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، وانتشار القواعد الأميركية في المحيطين الهادئ والهندي. ويعتبر الدكتور حامد الصراف، الخبير في العلاقات الدولية، أن هذه الحشود العسكرية تشكل البيئة المثالية لتبرير استمرار البرنامج النووي كضمانة أمنية وجودية بالنسبة لبيونغ يانغ.
ويضيف الصراف أن الشروط الكورية، وعلى رأسها الاعتراف الرسمي بوضعها النووي، تمثل كابوسًا للولايات المتحدة وحلفائها في شرق آسيا، خاصة اليابان وكوريا الجنوبية، إذ أن ذلك سيقلب ميزان الردع الاستراتيجي ويشعل سباق تسلح إقليمي غير مسبوق.
"لحظة تاريخية"... ولكن بشروط تعجيزية
يرى محللون أن ترامب يواجه فرصة نادرة قد لا تتكرر لإحياء صفقة مع كوريا الشمالية، لكن النافذة تضيق سريعًا في ظل تصلب المواقف وغياب أي مقاربة جديدة أو واقعية من قبل الإدارة الأميركية. ويختم الصراف بالقول: "إذا أراد ترامب إنجازًا فعليًا في هذا الملف، فعليه أن يدرك أن بيونغ يانغ اليوم ليست كوريا 2018. إنها أقوى، وأعند، وأكثر ترابطًا مع المحور الشرقي... ولا يبدو أنها في وارد التراجع عن مشروعها النووي، إلا بثمن باهظ يصعب على واشنطن دفعه". (ارم نيوز)