منذ استخدام الطيران الحربي بشكل واسع في الحربين العالميتين، تطور شكل المعارك الجوية من الاشتباكات القريبة الدوغ فايت إلى مواجهة مباشرة تعتمد على المناورة والأسلحة التقليدية. لكن هذا النمط تراجع منذ التسعينيات، مع تزايد استخدام القصف الجوي في النزاعات غير المتكافئة، وبدأت تكنولوجيا الصواريخ بعيدة المدى تغير طبيعة القتال الجوي بشكل جذري.
التحول إلى القتال خارج مدى الرؤية
القتال الجوي الحديث يشهد صعود مفهوم القتال خارج مدى الرؤية، الذي يتم على مسافات تتجاوز قدرة الرؤية البشرية، عادةً أكثر من 30 كيلومترا. في هذا النوع من الاشتباكات، تستطيع الطائرات إصابة أهدافها بصواريخ موجهة دون الحاجة إلى الاقتراب أو الدخول في اشتباك مباشر. وبهذا يتحول الصراع إلى سباق بين من يمتلك الصاروخ الأطول مدى والتقنيات الأذكى في الرصد والتخفي.
ومثال على هذه المعارك: طائرتان من الجيل الخامس متكافئتان في السرعة والتخفي والمناورة. لكن إحداهما تحمل صاروخا بعيد المدى، بينما الأخرى تعتمد على صواريخ تقليدية. النتيجة شبه محسومة، الطائرة الأولى تطلق الصاروخ قبل أن تدخل الأخرى نطاق الاشتباك، وتتفوق بفضل التقنية.
مواجهة عملية بين
الهند وباكستان في أيار الماضي دعمت هذا المفهوم، حين استخدمت باكستان صواريخ بي إل-15
الصينية لإسقاط مقاتلات هندية، بحسب الرواية الباكستانية.
سباق دولي لصناعة المستقبل الجوي
الصراع في السماء أصبح سباقا للتفوق التكنولوجي في تصميم الصواريخ.
الولايات المتحدة تتصدر عبر صاروخ AIM-120 AMRAAM، الذي يصل مداه إلى 160 كيلومترا، وتعمل على تطوير نسخ أحدث مثل AIM-260 وAIM-174B. في أوروبا، صاروخ ميتيور يعكس التعاون القاري، بمدى يصل إلى 200 كيلومتر ومحرك نفاث يتيح له تتبع الأهداف بدقة.
أما
روسيا فتمتلك صاروخ R-37M، الأسرع من الصوت بست مرات، ومداه يصل إلى 300 كيلومتر. كما تطور صاروخ K-172
القادر على استهداف طائرات الدعم من مسافات بعيدة. وعن
الصين، فتعتبر الآن من أبرز المنافسين، خاصة بعد التطوير المستمر لصاروخ PL-15، الذي يعمل بمحرك مزدوج ورادار متقدم. وتشير مصادر إلى أن النسخ الصينية الأخيرة قد تتفوق على نظيراتها الغربية.
رغم التطور.. تحديات تقنية!
لكن رغم هذه القدرات المتقدمة، إلا أن القتال خارج مدى الرؤية يفرض تحديات كبيرة، أهمها صعوبة التمييز بين الصديق والعدو على المسافات البعيدة، ومحدودية الاتصال بين الطيارين بسبب مخاوف الاختراق الإلكتروني. كما يتطلب حماية إلكترونية متقدمة، ووسائل خداع مثل الطعوم الحرارية أو الشظايا المضادة للصواريخ.
والقدرة على مهاجمة الطائرات من خارج المجال الجوي التقليدي تدفع الدول إلى إعادة تعريف أمنها الجوي، وتوسيع قدرات الدفاع بعيد المدى، ما يزيد من احتمالات التوتر بين الدول المتجاورة.
مع هذا التحول، لم تعد الطائرة المقاتلة مجرد آلة اشتباك، بل أصبحت منصة إطلاق ذكية في حرب تدار عن بُعد، وتُحسم قبل أن يرى الطيار خصمه.