تشهد العلاقات التجارية بين
الولايات المتحدة والهند توتراً متصاعداً مع اقتراب موعد تطبيق الرسوم الأميركية الجديدة البالغة 50% على عدد كبير من الصادرات
الهندية في وقت لاحق من هذا الشهر، في خطوة تقول مجلة "إيكونوميست" إنها تتجاوز الحسابات الجيوسياسية لتتعمق في ملفات حساسة، وعلى رأسها قطاع الألبان الذي يمثل محوراً ثابتاً للخلافات بين الجانبين.
في خطاب شديد اللهجة ألقاه في نيودلهي في 7 آب، أكد رئيس الوزراء ناريندرا مودي أن بلاده "لن تساوم أبداً على رفاهية المزارعين ومربي الألبان والصيادين"، في رد مباشر على إعلان الرئيس الأميركي
دونالد ترامب فرض الرسوم الجديدة، مشدداً على أن حماية قطاع الألبان تمثل رمزاً قومياً ومكسباً سياسياً للحكومة القومية الهندية.
الهند، التي تتصدر إنتاج الألبان عالمياً منذ ثلاثة عقود وتساهم بربع الإنتاج العالمي، تتمتع بقطاع محصن برسوم جمركية مرتفعة تصل إلى 40% على الزبدة والجبن و60% على مسحوق الحليب، وهي مستويات قريبة مما يعتزم
ترامب فرضه على صادراتها. ويعتمد الإنتاج
الهندي على شبكة ضخمة من صغار المزارعين، إذ تملك 80 مليون أسرة بقرة أو جاموسة واحدة أو أكثر، فيما لا يتجاوز متوسط القطيع 4 رؤوس، مقارنةً بـ390 بقرة في المزرعة الأميركية، التي لا يتعدى عدد مزارعها 24 ألفاً مقابل أكثر من 200 مليون رأس ماشية في الهند.
ومنذ إطلاق "
الثورة البيضاء" عام 1970 لزيادة توافر الحليب وتحسين التغذية عبر التعاونيات، حافظت الهند على نهج الحماية، بل عززته العام الماضي بإطلاق "الثورة البيضاء 2.0" التي تهدف لزيادة مشتريات التعاونيات من الحليب بنسبة 50% خلال خمس سنوات، من دون إدخال إصلاحات هيكلية حقيقية. ومع ذلك، تبقى
الفجوة الإنتاجية هائلة، إذ تنتج البقرة الأميركية سبعة أضعاف ما تنتجه نظيرتها الهندية، وهو ما يدفع منتقدين للتساؤل عن مدى جدوى الإبقاء على الحماية الجمركية الصارمة.
الخلافات لا تقف عند حدود الرسوم، إذ تحظر الهند معظم المحاصيل المعدلة وراثياً وتفرض اشتراطات خاصة على واردات الألبان، مثل أن تكون من أبقار لم تُغذَّ على منتجات حيوانية، وهو ما يُعرف محلياً بـ"الحليب غير النباتي"، في إجراء يعود لعام 2003 على خلفية أزمة جنون البقر، لكنه اليوم يُتهم بأنه حاجز غير جمركي تدعمه اعتبارات قومية ودينية.
تجارب السنوات الماضية تُظهر مقاومة قوية من المزارعين الهنود لأي إصلاحات، إذ أجبروا حكومة مودي عام 2021 على إلغاء ثلاثة قوانين لتحرير الأسواق الزراعية بعد احتجاجات حاشدة، ما يثير تساؤلات حول قدرة ترامب على فرض تغييرات عبر ضغوط التجارة.
وكما يقول أستاذ جامعة جواهر لال نهرو، هيمانشو، فإن "مودي وترامب كلاهما مؤيد للمزارعين، لكن المزارعين في البلدين مختلفون تماماً"، وهو اختلاف يجعل أي صفقة تجارية بين
واشنطن ونيودلهي أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.