قد يكون
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد فكّر خارج الصندوق حين قرر زيارة مدينة ماغادان في أقصى الشرق الروسي، المعروفة بثرائها بالذهب والفضة، في رحلةٍ بدت وكأنها محاولة لتجاوز إرث بيع ألاسكا للولايات المتحدة وقصة تفكك الاتحاد السوفيتي.
فبعد نحو 14 عامًا، اختار بوتين للمرة الأولى أن يزور المدينة التي تختزن معادن نفيسة في باطنها، حيث أظهرت مقاطع مصورة موكبه وهو يتوقف عند عدد من مواقعها، في وقتٍ اعتُبر فيه ذلك تذكيرًا رمزيًا بموقع القمة التاريخية التي جمعته مؤخرًا بالرئيس الأميركي
دونالد ترامب في ألاسكا.
من ستالين إلى القيصر
المنطقة التي عُرفت قديمًا باسم كوليما، كانت موطنًا لشعوب الإيفينز قبل أن يصل الروس في القرن السابع عشر بحثًا عن الفراء والذهب. ومع بدايات القرن التاسع عشر اكتُشف الذهب والبلاتين، لتصبح المنطقة لاحقًا، في عهد ستالين، إحدى ركائز التصنيع السوفيتي السريع.
أما ألاسكا، فقد بيعت عام 1867 إلى
الولايات المتحدة مقابل 7.2 مليون دولار (نحو 133 مليون دولار حاليًا). قرار البيع جاء بدعوى صعوبة الحياة في المنطقة، والخوف من فقدانها في حال نشوب حرب مع بريطانيا، قبل أن يُكتشف لاحقًا أنها تعج بالذهب والنفط.
دبلوماسية الرموز
في ماغادان، وضع بوتين إكليلًا من الزهور عند نصب "أبطال طريق ألاسيبا الجوي"، تخليدًا للتعاون الأميركي–السوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية، في خطوة فسّرها مراقبون على أنها إشارة إلى استعداد
روسيا لإعادة فتح صفحة جديدة مع
واشنطن رغم جراح التاريخ.
اختيار
ترامب لاحقًا لموقع القمة في ألاسكا لم يكن مصادفة، بل رسالة مشبعة بذكريات الحرب الباردة، خصوصًا وأن
القاعدة الجوية التي استضافت اللقاء لعبت دورًا محوريًا ضد اليابان ثم في مراقبة الاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية.
السياسة تحت تأثير العائلة
العلاقة بين ترامب وبوتين لم تخلُ من بعد شخصي، إذ أقرّ ترامب بأن زوجته ميلانيا لعبت دورًا في إعادة تشكيل نظرته تجاه الرئيس الروسي. تصريحاتها السابقة بأنها تقدّم له النصائح، "أحيانًا يستمع وأحيانًا لا"، أضافت بُعدًا غير متوقع للمفاوضات الكبرى بين البلدين.
إشارات الملابس ورسائل التاريخ
وفي خضم كل ذلك، أثارت صورة
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بقميص يحمل شعار "CCCP" (الاتحاد السوفيتي) ضجة في الإعلام
الغربي، واعتُبرت لفتة استفزازية تجاه
أوكرانيا. وهو ما يؤكد أن الرموز، سواء في القمصان أو في اختيار المدن، ما زالت أداة رسائل سياسية بامتياز.
بهذه الخلفية، جاءت زيارة بوتين لماغادان وكأنها استدعاء لذاكرة الذهب والخرائط الممزقة، ورسالة بأن روسيا، رغم خسائر الماضي، لا تزال تطمح لتثبيت مكانتها كقوة عظمى على المسرح الدولي.
(العربية)