ذكر موقع "National Security Journal" الأميركي أنه "بعد أشهر من التحضيرات والتخطيط، والمناوشات والتكهنات، لم ينجح اللقاء بين الرئيس الأميركي
دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في أنكوريج - ألاسكا في تخفيف حدة العداء بين
واشنطن وموسكو، ولا في تعزيز قضية السلام في أوكرانيا بأي شكل من الأشكال. من الناحية الفنية، اكتسب بوتين مظهر الشرعية العالمية المستعادة ووضع القوة العظمى، في حين أتيحت لترامب الفرصة لإطلاق إعلانات سياسية أنانية عن "التقدم العظيم". ولكن من الناحية الجيوسياسية، ورغم تسويق القمة على أنها "نقطة تحول" في العلاقات الروسية الأميركية، فإنها لم تحقق شيئا".
وبحسب الموقع، "فإن التوقعات التي أثارها ترامب قبل الاجتماع كانت مضخمة، خاصة أنه كان قد وعد باستخدام القمة لانتزاع وقف إطلاق النار "اليوم". لقد بالغ في أهمية دوره، وصوّر نفسه باعتباره الرجل الذي لا غنى عنه والذي يمكنه أن يغير مسار الحرب، وبالتالي التاريخ العالمي، كما يشاء. كانت ألاسكا مليئة بالرمزية: الولاية الواقعة في أقصى
الشمال، مع إمكانية رؤية
روسيا عبر مضيق بيرينغ، كانت بمثابة رسالة عن القرب والنية. وتكهن المعلقون المتفائلون بمجموعة من النتائج الإيجابية المحتملة لقمة أنكوريج، من "خريطة طريق" لوقف إطلاق النار إلى "ضمانات أمنية" لكييف إلى أدنى تحرك لإعادة ضبط العلاقات بين
الولايات المتحدة وروسيا. ومن بين الأكثر تشاؤما، كان هناك خوف صريح من أن تكون واشنطن مستعدة للتخلي عن السيادة الأوكرانية على مذبح المصلحة الشخصية. وعلى أية حال، كانت التوقعات بأن القمة سوف تمثل نقطة تحول شائعة في كل مكان تقريبا".
وتابع الموقع، "لكن الواقع، بطبيعة الحال، كان مخيبا للآمال، على الأقل من حيث التوقعات الجيوسياسية السائدة. لم يحضر بوتين القمة من أجل التفاوض على تسليم الأراضي المحتلة، أو وقف إطلاق النار المؤقت، أو حتى الدخول في عملية تفاوض جادة، إنما حضر من أجل الاستمتاع بالاحترام والاهتمام التي سيقدمها له ترامب. لقد أدرك بوتين هذا الأمر تمامًا قبل صعوده إلى طائرته المتجهة إلى أنكوريج، وهو ما سيكون بمثابة هدية دعائية لروسيا، هدية من شأنها أن تحول بلاده بشكل مسرحي في نظر الكثيرين من دولة منبوذة معزولة وخطيرة إلى قوة عالمية محترمة لا غنى عنها. في المقابل، كرر ترامب الشعارات المستهلكة عينها حول "التقدم"، و"إحراز تقدم"، والاستعداد "لإبرام صفقة" التي كررها بلا نهاية في الفترة التي سبقت القمة، لكنه فشل بوضوح في وضعها موضع التنفيذ خلال القمة. بالنسبة للرئيس الأميركي، كانت هذه حقا لحظة مخيبة للآمال".
وأضاف الموقع، "كان من المتوقع أن يشعر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالغضب الشديد بسبب هذه الكارثة، وكان قد زعم مسبقا أن أي قمة تتعلق بمستقبل أوكرانيا لا يمكن أن تكون شرعية ما لم تكن أوكرانيا موجودة على الطاولة. ومن ثم، فإن القمة، من وجهة نظر كييف، لم تكن قط جزءا من عملية تهدف إلى تأمين السلام الدائم، أو حتى وقف إطلاق النار المؤقت، بشروط مقبولة من الطرفين. وبدلاً من ذلك، كان يُنظر إليها باعتبارها عرضًا منظمًا بشكل جيد، ومن شأنه في النهاية أن يعزز من قوة المعتدي. في الواقع، كان رد فعل زيلينسكي على عملية القمة بأكملها لاذعًا ومباشرًا: فقد أكد أن سيادة أوكرانيا لن تكون أبدًا ورقة مساومة على طاولة لا تملك فيها أوكرانيا مقعدًا. وأكد أن أي عملية تُقصي كييف لن تُفضي إلى سلام عادل، بل إن مثل هذه العملية، من وجهة نظر زيلينسكي، لن تُسهم إلا في تعزيز أجندة موسكو، وتُشكل تهديدًا للمبادئ ذاتها التي تُشكلها هذه الحرب".
وبحسب الموقع، "أوضح المسؤولون في العواصم الأوروبية أنه لا يمكن السماح لروسيا بممارسة حق النقض (الفيتو) على مستقبل أوكرانيا، سواءً في ما يتعلق بعضوية الناتو أو الضمانات الأمنية، وقد أبدوا احترامهم لمبدأ الحوار، ولكنهم أوضحوا أيضاً أن القمة عززت موقف بوتين دون إجباره على تغيير مساره. واستخلصت العواصم الأوروبية درسًا قاسيًا من قمة أنكوريج، وهو أن أمنها لا يمكن أن يُبنى على استعراضات ترامب، بل على قوة أوروبا وعزيمتها. في الوقت عينه، لم تستبعد العواصم الأوروبية أي دبلوماسية إضافية، شريطة أن تكون أوكرانيا حاضرة على طاولة المفاوضات".
وتابع الموقع، "قد يكون من المغري وصف قمة أنكوريج بالفشل التام. في أفضل الأحوال، ربما كان الاجتماع قد نجح في خفض حدة التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا بدرجة أو درجتين، وربما فتح الباب أمام عملية أكثر شمولاً في مرحلة ما في
المستقبل. ومن الناحية النظرية، قد تكون القمة التي يجتمع فيها ترامب وبوتين وزيلينسكي قادرة على اتخاذ خطوة أقرب إلى التنفيذ، حتى لو كان ذلك فقط لتأمين توقف مؤقت للقتال. لا ينبغي لأحد أن يتصور أن اجتماعًا كهذا سيوفق بين الرؤيتين المتعارضتين لمستقبل أوكرانيا في موسكو وكييف، لكنه قد يُوقف على الأقل سفك الدماء مؤقتًا. وقد ألمح ترامب إلى هذا الاحتمال في تصريحاته الختامية، حتى أنه اقترح أن قمة أنكوريج يمكن أن تشكل الأساس لقمة ثلاثية مع التركيز بشكل ضيق على وقف إطلاق النار".
وبحسب الموقع، "حتى هذا الهدف المتواضع، على الأرجح، سيتضح أنه بعيد المنال. ففي المؤتمر الصحافي الذي أعقب القمة، تحدث ترامب عن "تقدم" نحو إنهاء الحرب، ولكن هذه التأكيدات كانت أقرب إلى مسرحية سياسية منها إلى تقييم صادق للمحادثات. فلا موسكو ولا كييف مستعدتان لقبول وقف إطلاق نار لا يحقق مطالبهما الأساسية. أوضح بوتين أنه لن يؤيد أي اتفاق، مؤقت أو دائم، يعيد السيادة الأوكرانية على الأراضي التي تطالب بها روسيا. وكان زيلينسكي واضحًا أيضًا في أن أي وقف لإطلاق النار يترك القوات الروسية في حالة احتلال غير مقبول بالنسبة لكييف. هذه مواقف راسخة في موسكو وكييف، لم يكن بإمكان ترامب وزيلينسكي تجاوزها في قمة أنكوريج حتى لو أرادا ذلك، ولو كان ترامب صادقًا مع نفسه، لأدرك ذلك".
ورأى الموقع أن "الدرس الأعظم للولايات المتحدة وحلفائها قاسٍ. فالدبلوماسية كمسرحية لا تُغني عن الدبلوماسية كاستراتيجية، واستضافة بوتين في هذه اللحظة من دون المطالبة بأي تنازلات جوهرية كان إظهارًا للضعف لا للقوة. بالنسبة للعواصم الأوروبية التي تراقب عن كثب، أكدت قمة أنكوراج شكوكها بشأن ترامب: عندما يتعلق الأمر بحماية الأمن
الأوروبي، فإنه يفتقر إلى الإرادة والقدرة. بالنسبة لزيلينسكي، عززت القمة المبدأ القائل بأن أوكرانيا يجب أن يكون لها الحق في التحدث عن نفسها وأن أي عملية تفاوض لا تشمل كييف هي غير شرعية منذ البداية".