كتب موقع "
سكاي نيوز عربية": للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب في غزة، أعلنت
الأمم المتحدة رسميًا دخول القطاع في مرحلة المجاعة، لتضع العالم أمام مشهد إنساني كارثي يتجاوز حدود التوصيفات المعتادة.
الإعلان جاء مصحوبًا بتحميل
إسرائيل مسؤولية مباشرة عن "العرقلة الممنهجة" لوصول المساعدات، بينما سارعت
تل أبيب إلى النفي القاطع، مؤكدة أن كل ما يرد في تقارير المنظمات الدولية لا يعدو أن يكون "كذبًا مطلقًا" و"فرية دم جديدة" تستهدف إسرائيل سياسيًا.
وبين هذا السجال الدولي والإنكار
الإسرائيلي، يواصل الميدان إنتاج المزيد من القتلى والجرحى، فيما يتوعد
القادة الإسرائيليون بفتح "أبواب الجحيم" على غزة.
كارثة إنسانية معلنة
أرقام الضحايا تكشف عمق المأساة: أكثر من 270 فلسطينيًا لقوا حتفهم بسبب الجوع، نصفهم من الأطفال، وفق مصادر طبية فلسطينية.
هذه الأرقام لم تعد مجرد تقديرات، بل باتت مصدّقة بختم الأمم المتحدة، التي أعلنت رسميًا المجاعة في غزة.
وكيل
الأمين العام للشؤون الإنسانية، توم فلتشا، حمّل إسرائيل المسؤولية المباشرة عمّا وصفه بـ"المجاعة الناتجة عن العرقلة الممنهجة لإدخال المساعدات". أما
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فقد اختار لغة أكثر قسوة، حين كتب في منشور له على منصة "إكس": "لقد نفدت الكلمات في وصف جحيم غزة، ليضاف إليه الآن جحيم المجاعة. إن الوضع كارثة من صنع الإنسان، وإسرائيل تتحمل مسؤولية ضمان وصول الغذاء والإمدادات الطبية. لا يمكن السماح باستمرار هذا الوضع بدون عقاب".
هذه اللغة القاطعة، التي نادرًا ما يستخدمها غوتيريش في بياناته، تعكس خطورة اللحظة الإنسانية والسياسية في آن واحد.
الرواية
الإسرائيلية: إنكار واستراتيجية مضادة
في المقابل، ردت إسرائيل بسرعة على الإعلان الأممي، نافيةً وجود أي مجاعة في غزة.
مكتب رئيس الوزراء بنيامين
نتنياهو وصف تقرير خبراء الأمم المتحدة بأنه "كذب مطلق"، مؤكدًا أن "إسرائيل لا تتبع سياسة التجويع، بل سياسة منع المجاعة".
وأشار المكتب إلى أن أكثر من 100 ألف شاحنة محملة بالمساعدات دخلت غزة منذ بداية الحرب، معتبرًا أن هذا الرقم وحده كفيل بدحض كل ما يُقال عن وجود أزمة إنسانية مصطنعة. إسرائيل ترى في هذه البيانات "دليلًا عمليًا" على أنها تسمح بدخول المساعدات، وأن ما يحدث في غزة هو "نتيجة الحرب التي فرضتها
حماس" وليس سياسة ممنهجة من جانبها.
"أبواب الجحيم": التهديد العسكري مستمر
بالتوازي مع السجال الإنساني والدبلوماسي، لم تتوقف التحركات العسكرية الإسرائيلية،
وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس توعّد بشكل مباشر بـ"فتح أبواب الجحيم" على حماس وتدمير مدينة غزة، مهددًا الحركة بمصير مماثل لرفح وبيت حانون إذا لم تتخل عن سلاحها وتطلق سراح الرهائن.
وأعلن كاتس أنه صادق على خطط الجيش لهزيمة حماس، متضمنة استخدام "القوة النارية الكاسحة" وإجلاء السكان من المدينة، في سيناريو يبدو وكأنه يجمع بين التصعيد العسكري ومحاولة تقديم غطاء "إنساني" عبر الإجلاء المنظم.
لكن الواقع على الأرض يشي بنتائج مختلفة، فأكثر من 50 فلسطينيًا قتلوا الأربعاء الماضي برصاص الجيش الإسرائيلي، معظمهم في مدينة غزة، فيما قضى آخرون كانوا ينتظرون المساعدات بالقرب من خان يونس، في استهداف مباشر زاد من حدة الغضب الشعبي والدولي.
بين تقارير الأمم المتحدة التي تؤكد أن غزة دخلت المجاعة رسميًا، والرواية الإسرائيلية التي تنفي ذلك وتتهم المنظمات الدولية بالتسييس، يبقى الواقع على الأرض أكثر قسوة مما تحمله الكلمات.
عشرات القتلى يوميًا، أطفال يموتون جوعًا، تهديدات بفتح "أبواب الجحيم"، ومجتمع دولي عاجز عن فرض حل حقيقي.
السؤال الذي يبقى معلقًا: هل سيبقى ملف الرهائن هو الشرط الوحيد لوقف الحرب، أم أن ضغط "جحيم المجاعة" سيدفع العالم إلى فرض تسوية مختلفة؟
غزة، كما يبدو اليوم، محاصرة بين مجاعة مؤكدة دوليًا وتهديد عسكري معلن إسرائيليًا، في مشهد يختزل التناقض المأساوي بين لغة الإنسانية ولغة الحرب.