ذكرت صحيفة "كيهان لندن"
الإيرانية أنه "من الواضح أن هناك رأيًا راسخًا وواسع الانتشار في المجتمع
الإيراني بأن النظام محكوم عليه بالسقوط. ففي أذهان معظم الإيرانيين، سقطت الجمهورية الإسلامية بالفعل، ولم يتبقَّ إلا إقامة جنازتها ودفنها. لكن السؤال المهم الذي يبقى مطروحًا لدى الكثير من الإيرانيين هو ما سيحدث لاحقًا. ولعل هذا السؤال هو ما أخّر محرقة جنازة النظام وأبقى الإيرانيين في حالة من الترقب. يدرك النظام تمامًا هذا القلق العام، وهو يستغلّه. فمن خلال الترويج لفكرة "إن غادرنا، ستقع البلاد في الفوضى والحرب الأهلية والتفكك"، يسعى إلى إبعاد الناس عن ساحة الاحتجاجات، وعرقلة أي تحرك من جانبهم لتقويض أركان النظام. وقد تسعى
إيران أيضاً إلى تعزيز هذه العقلية في المجتمع بطريقة مستهدفة ومنضبطة، من خلال أعمال إرهابية أو تأجيج انعدام الأمن في مناطق معينة، مثل سيستان وبلوشستان على الحدود الباكستانية".
وبحسب الصحيفة، "اليوم، لم يعد المواطنون الإيرانيون، بغض النظر عن توجهاتهم السياسية، يفكرون في استمرار النظام، بل في ما سيحدث غدًا. أي مواطن مهتم سيسأل نفسه الآن عن نوع النظام الذي يريده لمستقبل إيران: ملكية دستورية أم
جمهورية؟ لدى الإيرانيين بالفعل صورة ذهنية واضحة إلى حد ما عن النظام الملكي وتاريخه البعيد والقريب، مع لمسة من الحنين إلى البهلويين وشعور بقدرة النظام الملكي على الحفاظ على الوحدة الوطنية وحماية سلامة إيران، كما ويدرك الإيرانيون ما يمكن توقعه من عودة البهلويين. لديهم فكرة عن أهداف الملكية وسجلها، وهوية قائدها، ورؤيته لما يُشكّل الملكية الدستورية، ومكانته داخل البلاد وخارجها. بهذا الخيار، يُرسم شكل
المستقبل في الذهن الجماعي".
وتابعت الصحيفة، "الخيار الآخر، أي الجمهورية، فليس واضحًا للمواطن العادي. أولًا، ما المقصود بالجمهورية، وما هو نموذج الجمهورية المقصود؟ جمهورية إسلامية مع بعض التعديلات؟ جمهورية علمانية؟ جمهورية اتحادية؟ جمهورية ديمقراطية؟ جمهورية مجالس، أم مزيج من نموذجين أو أكثر من هذه النماذج؟ علاوة على ذلك، ألحقت تجربتنا الأولى مع النظام
الجمهوري ضررًا بالغًا بالبلاد. فكيف يمكن للإيرانيين ضمان عدم تكرار هذه التجربة المريرة في ثوبٍ آخر أو تحت مسمى آخر؟"
وأضافت الصحيفة، "في إيران، التي يبلغ عدد سكانها 90 مليون نسمة، لكل نموذج جمهوري نصيبه من المؤيدين تقريبًا. لدينا جمهوريون ذوو أهداف متعارضة تمامًا، ولا يطيقون بعضهم البعض حتى الآن. وفي اليوم التالي لسقوط هذا النظام، يمكننا أن نتخيل المعسكرات السياسية المختلفة ترفع أعلامها الخاصة بما يتماشى مع أصولها الفكرية ومصالحها الشخصية أو الجماعية. في مثل هذه الحالة، وفي حين تتمتع الملكية الدستورية بالقدرة على استيعاب كل خطوط الفكر مع احترام الحقوق المدنية لأعضائها بشكل كامل، فإن الاتجاهات الجمهورية المختلفة وحتى المتناقضة تفتقر إلى هذه القدرة على خلق التماسك والوحدة في كل أنحاء المجتمع. وهذا صحيح بشكل خاص في منطقة ذات سمات ثقافية شرق أوسطية، حيث تعد
الديمقراطية والتسوية بين المجموعات السياسية أمرا نادرا".
وبحسب الصحيفة، "عندما ترفض النخبة الاجتماعية رؤية حقائق الماضي التاريخي والمخاطر المستقبلية، وتفكر من منظور أيديولوجي، وتستحضر رؤيتها الغامضة وغير المرغوبة على الأرجح لـ"الجمهورية"، فإن عامة الناس يشعرون حتماً بالقلق إزاء احتمال المزيد من عدم الاستقرار والاختلال الوظيفي. وفي نهاية المطاف، قد نحصل على نظام يختلف قليلاً، في اسمه أو مظهره، عن النظام الحالي. إن نتيجة نصائح هؤلاء الإصلاحيين و"المحررين" هي أنه بدلاً من محاولة إسقاط النظام واحتضان مستقبل مجهول وربما مضطرب، فإن الإيرانيين سوف يلتزمون بحذر بـ "الشيطان الذي تعرفه"، أو أبناء النظام غير الشرعيين الذين سوف يعدلون أساليبهم في المقابل".
وتابعت الصحيفة، "يحظى هذا الرأي بتأييد واسع داخل النظام وخارجه، بفضل القدرات الإعلامية الواسعة للنظام. إذاً، يتعين على الإيرانيين الآن أن يوضحوا موقفهم من أنفسهم ومن تاريخهم. بالنظر إلى الاعتبارات التاريخية والإقليمية، ليس أمام الشعب الإيراني سوى خيارين لمستقبل البلاد السياسي: إما نظام جمهوري، ذو منظور غير واضح قد يعني ببساطة الركود في الحالة الحالية، أو نظام ملكي دستوري، أي إعادة بناء وتحديث تجربة تاريخية ناجحة".