يراقب المستثمرون عن كثب أداء سوق الأسهم
الصينية وسط حالة من التناقض اللافت؛ فبينما تظهر المؤشرات الاقتصادية الرئيسية علامات ضعف واضحة، تستمر الأسهم في تسجيل ارتفاعات ملفتة، ما يثير اهتمام المتابعين داخل
الصين وخارجها.
يستثمر الأفراد والشركات أموالهم بحذر، مستفيدين من فرص الاستثمار البديلة التي توفرها سوق الأسهم، لا سيما مع تراجع بعض القنوات التقليدية مثل قطاع العقارات وضعف العوائد على الودائع. ويراقب المحللون عن كثب العلاقة بين السياسات الحكومية والقطاع المالي، مع التركيز على قدرة السوق على الاستمرار في النمو دون التعرض لمخاطر عالية. وفي الوقت نفسه، يشكل التفاؤل حيال الصناعات الناشئة عاملاً إضافياً يحفز المستثمرين على المشاركة بقوة، مما يضفي زخماً على السوق المحلية.
وأشار تقرير صادر عن “بلومبيرغ” إلى أن الاقتصاد الصيني يترنح تحت وطأة التعريفات الجمركية وأزمة العقارات، ومع ذلك تستمر الأسهم في الصعود، ما يثير شكوكًا حول استدامة هذا الارتفاع. ففي الشهر الماضي وحده، أضافت الأسهم المحلية ما يقرب من تريليون دولار إلى قيمتها السوقية، بينما بلغ مؤشر شنغهاي المركب أعلى مستوى له في عقد من الزمان، وارتفع مؤشر CSI 300 من أدنى مستوى له هذا العام إلى أكثر من 20%.
في المقابل، كانت المؤشرات الاقتصادية الحديثة تقريباً، من اتجاهات الاستهلاك، وأسعار المنازل، إلى التضخم، بمثابة إشارات تحذيرية للمستثمرين. وتحوّل هذا الارتفاع بالأسهم المستثمرين الأثرياء إلى السوق المالية في ظل نقص البدائل الاستثمارية، بينما يُحذّر بعض المحللين من إمكانية تكوّن فقاعة.
وحذرت شركة نومورا القابضة من "التفاؤل المفرط"، في حين صنفت شركة تي إس لومبارد التفاوت بين صعود الأسهم وضعف الاقتصاد بأنه مواجهة بين "المتفائلين بالسوق والمتشائمين بشأن الاقتصاد الكلي". وصرح كبير استراتيجيي الاقتصاد الكلي في شركة لومبارد، هومين لي، بأن “سوقًا صاعدة لن تكون مستدامة إذا ظل التضخم قريباً من الصفر، وواجهت قدرة الشركات على التسعير رياحاً معاكسة شديدة بسبب ضعف الطلب المحلي".
وتشير الصحافية الصينية سعاد ياي شين هوا إلى أن ارتفاع سوق الأسهم يعود بشكل رئيسي إلى عدة عوامل، أبرزها:
1. الدعم القوي من السياسات الحكومية، التي عززت ثقة المستثمرين.
2. تحول الأموال نحو الأسهم بعد ركود سوق العقارات وانخفاض عوائد الودائع، ما جعل الأسهم خياراً جذاباً.
3. التفاؤل بشأن الصناعات الناشئة مثل الطاقة الجديدة، والذكاء الاصطناعي، والتصنيع المتقدم، ما يعكس ثقة المستثمرين في تحول الاقتصاد الصيني.
4. التعافي الناتج عن انخفاض التقييمات السابقة، حيث أصبح أي عامل إيجابي كافياً لإطلاق ارتداد قوي في السوق.
وحول استمرارية ارتفاع الأسهم، أشارت إلى أن الأمر يعتمد على عدة شروط أساسية: نجاح تحويل السياسات من التوقع إلى التنفيذ، معالجة أزمة العقارات بشكل سلس، تحسين العلاقات الخارجية، وقدرة السوق على خلق دورة ثقة إيجابية تعزز الاستهلاك والاستثمار.
من جانب آخر، يشير تقرير "
سي إن بي سي" إلى أن الأسر الصينية العادية، التي تتمتع بمدخرات قياسية تبلغ نحو 160 تريليون يوان (22 تريليون دولار)، أصبحت تستثمر جزءًا من ودائعها الفائضة في الأسهم، حيث يمثل مستثمرو التجزئة نحو 90% من التداول اليومي في الأسواق المحلية، مقارنةً بـ20-25% في بورصة
نيويورك.
وأوضح جو يرق، رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، أن المؤشرات الأخيرة أسهمت في ارتفاعات ملحوظة في سوق الأسهم، مع لامس بعض المؤشرات مستويات لم نشهدها منذ 2015، رغم ضعف معدلات التضخم التي تقترب من الصفر وتراجع أسعار المنتجين للشهر الرابع والثلاثين على التوالي، ما يعكس حالة انكماش اقتصادي وضعف الاستهلاك المحلي.
وأشار يرق أيضاً إلى دور المستثمرين الأفراد في تعزيز هذه الارتفاعات، خاصة في قطاع التكنولوجيا، مدفوعًا بموجة الاهتمام العالمية بالذكاء الاصطناعي منذ فبراير الماضي، والتي جعلت تقييمات الأسهم الصينية أكثر
جاذبية مقارنة بالأسواق الأميركية. ومع ذلك، حذر من احتمالية تكوّن فقاعة سعرية في حال استمرار الركود أو التصعيد في السياسات الجمركية، رغم توقعه أن الزخم الحالي سيستمر على المدى
القصير، خصوصاً في قطاع التكنولوجيا المرتبط بالذكاء الاصطناعي.
(إقتصاد سكاي نيوز)