تشهد العاصمة الليبية
طرابلس تصاعدًا في التوترات مع تحشيدات عسكرية متبادلة، حيث تحاصر القوات الموالية لرئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، عبد الحميد الدبيبة، العاصمة بحجة إنهاء نفوذ قوات الردع، في حين تقوم ميليشيات أخرى بتحشيد مضاد، ما يرفع خطر وقوع انفلات أمني أو مواجهة مسلحة قد تهدد حياة نحو 3 ملايين من سكان المدينة.
بين الخطط الدولية والتوازنات المحلية في طرابلس
تقف طرابلس اليوم عند مفترق طرق بين مشاريع دولية متباينة وتوازنات محلية هشة، فواشنطن من خلال قوات "أفريكوم" ومستشار الرئيس الأميركي مسعد بولس تسعى إلى سحب السلاح الثقيل من المدن والإبقاء على قوة شرطية مدنية مسلحة بأسلحة خفيفة تمهيدًا لتهدئة الأوضاع وفتح المجال أمام شراكات اقتصادية مع التركيز على مواجهة التوسع الروسي، في حين تدفع البعثة الأممية بخريطة طريق جديدة تركز على إعداد إطار انتخابي وتوحيد المؤسسات وتشكيل حكومة موحدة لكنها لم تقدم آليات واضحة للتنفيذ على الأرض.
ظهر هذا التباين بوضوح في جلسة
مجلس الأمن يوم 21 آب، حيث قدمت المبعوثة الأممية هانا تيتية مقترحات لإدارة الأزمة بدلاً من حلها بحسب توصيف خبراء، بينما اكتفت مندوبة
الولايات المتحدة دوروثي شيا بدعوة الليبيين لدراسة الخطة دون إعلان دعم مباشر، مؤكدة دعم
واشنطن لأي جهد ليبي–ليبي بما في ذلك جهود البعثة الأممية بحسب خبراء تحدثوا لموقع "
سكاي نيوز عربية".
يحاول عبد الحميد الدبيبة تقديم نفسه كمنفذ للخطة الأميركية الخاصة بإخلاء العاصمة من السلاح في مسعى للبقاء ضمن خيارات الحل الأممي وتجنب فرض حكومة بديلة قد تفتح ملفات المحاسبة أو تسحب المؤسسات من تحت سيطرة تحالفاته المسلحة.
ويرى أنصار حكومة الدبيبة أن تحركاته ضد قوات الردع خطوة ضرورية لفرض سلطة الدولة، بينما يعتبر معارضوه أن اتفاق جنيف لعام 2020 الذي أفرز حكومة الدبيبة والمجلس الرئاسي حصر صلاحيات إعلان الحرب والطوارئ بالمجلس الرئاسي وحده.
الخطة الأممية مهددة
قال الباحث الليبي في شؤون الأمن القومي فيصل بوالرايقة لموقع "سكاي نيوز عربية" إن التحركات العسكرية الأخيرة تكشف هشاشة الترتيبات الأمنية التي رعتها
الأمم المتحدة عقب الاتفاقات السابقة مؤكداً أن المشهد الليبي ما يزال محكوماً بشبكات مسلحة ذات مصالح اقتصادية وأمنية أكثر مما هو محكوم بهيكل دولة وأضاف أن رفض السكان للتحشيدات يعكس حالة من السأم الاجتماعي من عسكرة الحياة اليومية محذراً من أن الخطة الأممية مهددة بالفعل لأن استمرار هذه التحركات يبعث برسالة سلبية مفادها أن السلاح ما يزال الحكم الأخير وأن أي تسوية سياسية ستظل هشة ما لم ترافقها عملية أمنية واقتصادية أعمق لإعادة دمج القوى المسلحة
تنفيذ لخطة دولية
اعتبر الكاتب والباحث السياسي أحمد زاهر أن ما يجري في طرابلس ليس مجرد ترتيبات أمنية محلية بل تنفيذ لخطة دولية مفروضة على الأرض تقاس بالنتائج لا بالتصريحات وقال زاهر لموقع "سكاي نيوز عربية" إن جوهر الخطة هو إبعاد السلاح الثقيل عن المدن ونقله إلى قواعد خارج
العمران وتمكين الشرطة النظامية من إدارة الشارع بعتاد فردي وتحت سلطة مدنية كاملة وأضاف أن الدبيبة ليس صاحب القرار بل منفذ تحت ضغط دولي مباشر ويتعامل مع الخطة كصفقة خروج آمن من المرحلة الانتقالية مع رهان على عودة انتخابية لاحقاً مشيراً إلى أن التنفيذ معقد وبطيء لكنه الثمن اللازم لمغادرة آمنة وما يجري اليوم تمهيد مباشر لتنصيب سلطة انتقالية جديدة بولاية مدنية واضحة.
مواجهة كبرى غير مرجحة
الخبير السياسي محمد محفوظ يرى أن التحشيدات الحالية لا تعني بالضرورة اندلاع مواجهة كبرى موضحا لموقع "سكاي نيوز عربية" أن فتح النار من جانب حكومة الدبيبة على قوة الردع ليس خيارا مؤكدا لأن أي مواجهة في قلب العاصمة ستضرب المرافق الحيوية مثل
المطار والميناء وهو ما يعني شللا كاملا وسقوط ضحايا مدنيين وأضاف أن بعض القوى الخارجية قد لا تمانع في اندلاع مواجهة محدودة لكنها لن تسمح باستمرارها أكثر من 24 ساعة نظرا لخطورتها على الاستقرار الإقليمي والاقتصاد المحلي.
استعراض قوة
المحلل السياسي سليمان البيوضي اعتبر أن تحركات الدبيبة لا تتجاوز كونها استعراضا للقوة مؤكدا أن رئيس الحكومة غير قادر على تحويلها إلى مواجهة أوسع بسبب فقدانه الحاضنة الرئيسية في مصراتة.
وأضاف لموقع "سكاي نيوز عربية" أن مصراتة لم تعد منذ 2011 تتعامل مع الحرب كتحشيد عسكري فقط بل كمزاج عام يتطلب دعما مجتمعيا ولوجستيا وقبليا وهو ما لا يتوفر حاليا.