كشفت صحيفة هآرتس
الإسرائيلية في تحقيق موسّع امتد لأشهر أن الصدمة النفسية أصبحت آفة متفشية في صفوف الجيش
الإسرائيلي منذ بداية الحرب على
قطاع غزة، مشيرة إلى أن آلاف الجنود النظاميين غادروا الخدمة بسبب الانهيار النفسي، وكثير منهم بشكل نهائي.
ووثقت الصحيفة عشرات الشهادات لجنود حاليين وسابقين، تحدّثوا عن ضغط نفسي هائل وإرهاق قاتل، دفع بعضهم إلى ترك القتال أو المطالبة بالانتقال إلى أدوار غير قتالية، بينما اضطر آخرون للتسريح الكامل نتيجة إصابتهم باضطرابات ما بعد الصدمة.
من بين الشهادات المؤثرة، رواية جندي في لواء ناحال، عرّفته الصحيفة باسم "يوني"، قال إنه أطلق النار ذات مرة على امرأة وطفليها في بيت لاهيا بعدما ظن مع رفيقه أن هجوماً وشيكاً يشنه مقاتلو
حماس. "كان
الدم يملأ المكان.. أردت التقيؤ، لكن الضابط قال ببرود: لقد دخلوا المنطقة المحرّمة. إنه خطؤهم. هكذا هي الحرب"، يروي الجندي.
قصة أخرى تعود إلى
بيني، وهو قناص في لواء ناحال أيضاً، اعترف بأنه قتل "الكثير من الأطفال" خلال مهامه في شمال غزة. ويقول: "أطلقت خمسين إلى ستين رصاصة يومياً. توقفت عن العد. لم أرغب أحياناً في إطلاق النار، لكن
القادة كانوا يصرخون عبر الراديو: أطلقوا النار!". ويضيف: "الضباط لم يكترثوا إن كان الهدف طفلاً أم مقاتلاً".
أما الجندي آهارون، فروى كيف انهار نفسياً بعد أن عاش انفجاراً مروعاً في بيت حانون، مؤكداً أنه أصبح يرتعب من أي صوت ولو كان صراخ طفل. وعندما طلب نقله إلى مهمة غير قتالية، سخر منه ضابط الصحة النفسية قائلاً: "هل تريد خيانة
إسرائيل؟".
وبحسب التحقيق، فإن ظاهرة الانهيارات النفسية بين الجنود النظاميين وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، حيث يتحدث ضباط ميدانيون عن عشرات الحالات في كل وحدة. وأكدت الصحيفة أن عدد من يعاني اضطرابات نفسية يفوق بكثير ما يعلنه الجيش رسمياً، الذي يماطل أيضاً في نشر البيانات الكاملة.
وأشار ضابط سابق في إدارة الموارد البشرية إلى أن الجيش "يتلاعب بالأرقام" ولا يكشف حقيقة محاولات الانتحار داخل صفوفه. ورغم أن رئيس إدارة الصحة العقلية أقر أمام الكنيست في
تموز الماضي بأن 1135 جندياً نُقلوا أو أعفوا من الخدمة بسبب أعراض ما بعد الصدمة، إلا أن هآرتس تقول إن الرقم غير مكتمل، إذ لا يشمل المسرحين أو من شُخصت حالتهم بعد انتهاء خدمتهم.
وتطرق التحقيق أيضاً إلى حوادث انتحار مأساوية، منها حالة ضابط هندسة خدم في جنوب غزة، أرسل رسالة لعائلته يقول فيها: "أنا بخير لا تقلقوا"، قبل أن يفجر قنبلة يدوية في نفسه.
وختمت هآرتس تحقيقها بالتأكيد على أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تواجه أزمة صامتة تهدد بنيتها القتالية على المدى
الطويل، وأن محاولاتها للتستر على الأرقام الحقيقية لن تخفي عمق المأساة التي يعيشها جنودها.