يجتمع قادة العالم في نيويورك كما في كل عام خلال شهر أيلول، لإلقاء خطابات على مدى أيام في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تفتتح هذا الأسبوع دورتها الثمانين تحت شعار: "معًا بشكل أفضل: 80 عامًا وأكثر من أجل السلام والتنمية وحقوق الإنسان."
منذ تأسيسها عام 1945، ظلت
الأمم المتحدة المنصة الوحيدة التي تتيح للدول، على اختلاف مصالحها وتوجهاتها، الاجتماع على طاولة واحدة لمناقشة الخلافات ومحاولة صياغة مستقبل مشترك. ومع دخولها عقدها التاسع، تزداد التحديات العالمية تعقيدًا، من الحروب والنزاعات إلى المناخ والحقوق الإنسانية.
لماذا تتحدث البرازيل أولًا؟
تضم الأمم المتحدة اليوم 193 دولة عضوًا، إضافةً إلى مراقبين هما: الكرسي الرسولي (الفاتيكان) ودولة فلسطين، إلى جانب الاتحاد الأوروبي الذي يشارك بصفة مراقب أيضًا.
بحسب التقاليد الأممية، تتحدث البرازيل دائمًا كأول دولة عضو. ويعود هذا التقليد إلى السنوات الأولى للمنظمة، حين كانت الدول الأخرى مترددة في افتتاح الجلسات، فتقدمت البرازيل للتحدث أولًا، ومنذ ذلك الحين صار الأمر عرفًا ثابتًا.
أما
الولايات المتحدة، بصفتها الدولة المضيفة لمقر الأمم المتحدة في نيويورك، فتأتي في المرتبة الثانية. بعد ذلك، يُبنى جدول الكلمات على أساس البروتوكول والأسبقية، حيث يتحدث رؤساء الدول أولًا، يليهم نواب الرؤساء وولاة العهد، ثم رؤساء الحكومات والوزراء ورؤساء الوفود الأقل رتبة.
مدة الخطابات: بين الالتزام وكسر القواعد
رغم أن الوقت المخصص طوعًا لكل خطاب هو 15 دقيقة فقط، فإن سجلات الأمم المتحدة مليئة باستثناءات بارزة. من بينها خطاب الزعيم الكوبي فيدل كاسترو عام 1960، الذي استمر أكثر من أربع ساعات ونصف الساعة، وكذلك خطاب الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي عام 2009، الذي تجاوز التسعين دقيقة.
عن ماذا سيتحدث القادة هذا العام؟
لكل دورة موضوع رئيسي، لكن القادة غالبًا ما يستغلون المنبر للحديث عن قضاياهم الوطنية والدولية. موضوع هذا العام هو: "معًا أفضل: 80 عامًا وأكثر من أجل السلام والتنمية وحقوق الإنسان."
إلى جانب ذلك، من المتوقع أن تطغى على الكلمات ملفات ملتهبة تتعلق بالحروب، الأزمات الإنسانية، التغير المناخي، حقوق المرأة، والتوترات الجيوسياسية المتصاعدة.
غزة: حرب تدخل عامها الثاني ومجاعة تلوح في الأفق
مع اقتراب الحرب
الإسرائيلية على غزة من دخول عامها الثاني، تزداد المخاوف من كارثة إنسانية غير مسبوقة. فقد حذّر مرصد عالمي لمراقبة الجوع من أن المجاعة تتكشف تدريجيًا، وقد تنتشر بحلول نهاية الشهر الجاري.
ومن المقرر أن يلقي رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، خطابه يوم الجمعة. يأتي ذلك بالتزامن مع الهجوم البري الإسرائيلي على مدينة غزة يوم الثلاثاء الماضي.
أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس فلن يحضر شخصيًا، إذ رفضت الولايات المتحدة منحه تأشيرة دخول، ومن المرجح أن يشارك عبر تقنية الفيديو.
أوكرانيا: معركة الخطاب بين كييف وموسكو
سيحاول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حشد دعم عالمي جديد لبلاده في ظل حرب مستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات إثر الغزو الروسي. وسيلقي كلمته يوم الأربعاء، بينما سيتحدث
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يوم السبت.
كما سيعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعًا رفيع المستوى بشأن أوكرانيا، حيث ستتجه الأنظار إلى خطاب الرئيس الأميركي
دونالد ترامب، لمعرفة ما إذا كانت واشنطن ستعلن عن خطوات إضافية، مثل فرض عقوبات جديدة، للضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للجلوس إلى طاولة المفاوضات.
إيران: مفاوضات اللحظة الأخيرة
من المتوقع أن تشهد أروقة نيويورك حراكًا دبلوماسيًا مكثفًا بشأن الملف النووي
الإيراني، إذ تسعى طهران لتجنب إعادة فرض جميع عقوبات مجلس الأمن عليها في 28 أيلول. ومن المقرر أن يشارك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ووزير الخارجية عباس عراقجي في الاجتماعات.
سوريا: مشاركة أولى للرئيس الشرع
لأول مرة، يشارك الرئيس السوري أحمد الشرع في اجتماعات الجمعية العامة، وسط ترقب دولي لما سيحمله خطابه من مواقف بشأن الأزمة
السورية.
السودان: أزمة إنسانية هي الأسوأ عالميًا
بعد أكثر من عامين ونصف من الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تصف الأمم المتحدة الوضع بأنه “أسوأ أزمة إنسانية في العالم”، مع انتشار المجاعة خصوصًا في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور.
وقد دعت كل من الولايات المتحدة والإمارات والسعودية ومصر إلى هدنة إنسانية لثلاثة أشهر يعقبها وقف دائم لإطلاق النار، باعتبارها القوى الأكثر تأثيرًا على طرفي الصراع.
فنزويلا وأميركا: تصاعد التوترات في الكاريبي
اشتكت فنزويلا مؤخرًا إلى
الأمين العام أنطونيو غوتيريش من التحركات العسكرية الأميركية في البحر الكاريبي. وكانت واشنطن قد عززت وجودها البحري ونفذت ضربتين على قوارب قالت إنها تتبع عصابات مخدرات فنزويلية في المياه الدولية.
من المرجح أن يتطرق وزير الخارجية الفنزويلي إيفان جيل إلى هذه التطورات، فيما يتهم الرئيس نيكولاس مادورو الولايات المتحدة بمحاولة الإطاحة به من الحكم.
المناخ: أصوات الدول المهددة بالفناء
من المتوقع أن ترفع الدول الجزرية الصغيرة، إلى جانب الدول الأكثر تضررًا من التغير المناخي، أصواتها مجددًا للمطالبة بالتحرك السريع، في وقت لا يزال العالم يكافح للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض.
المرأة: بعد 30 عامًا على مؤتمر بكين
قبل يوم واحد من انطلاق الخطابات، سيجتمع القادة في جلسة خاصة لإحياء الذكرى الثلاثين لمؤتمر الأمم المتحدة العالمي الرابع المعني بالمرأة الذي عُقد في بكين عام 1995، حيث صيغت العبارة الشهيرة: "حقوق المرأة هي حقوق الإنسان."
ورغم التزام 189 دولة حينها بتمكين المرأة والمشاركة الكاملة لها في جميع المجالات، فإن القادة سيتوقفون عند ضعف التقدم في ظل تزايد الهجمات على حقوق النساء حول العالم.
من يخلف أنطونيو غوتيريش؟
مع اقتراب انتهاء ولاية الأمين العام أنطونيو غوتيريش في 31 كانون الأول 2026، بدأت التساؤلات تُثار حول من سيخلفه.
ففي العام المقبل، سيختار مجلس الأمن الدولي (المكوَّن من 15 عضوًا) مرشحًا واحدًا للتوصية به أمام الجمعية العامة (193 عضوًا). ويعني ذلك أن أي مرشح يجب أن يحظى بموافقة القوى الخمس الكبرى صاحبة حق النقض: الولايات المتحدة،
روسيا، الصين، بريطانيا، وفرنسا.
(رويترز)