وفي تحليل معمق خلال حديثين متوازيين على سكاي نيوز عربية، قدم كل من الباحث في المجلس الوطني للعلاقات العربية الأميركية، فادي حيلاني، والباحث في مركز الأهرام للدراسات، بشير عبد الفتاح، قراءة دقيقة لمفهوم "السلام" عند ترامب، وتحديات تطبيق هذه الرؤية على أرض الواقع، مع التركيز على المصالح الإقليمية والتحالفات الدولية وتأثير الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية.
ترامب والشرق الأوسط
أوضح فادي حيلاني أن سياسة ترامب تتميز بوجود جانب دعائي واضح، إذ يسعى دائما لإظهار نفسه كشخص قوي، قادر على تحقيق اختراقات سياسية في الشرق الأوسط، وغالبا ما يستخدم الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لتسويق إنجازاته.
وأشار حيلاني إلى أن الرئيس الأميركي يسعى لأن يكون "رجل السلام" في المنطقة، ويريد أن يُدرج اسمه ضمن قائمة الحاصلين على جائزة نوبل للسلام، مما يعكس طموحا شخصيا لاستعراض نفسه كسياسي بارز على المستوى العالمي.
ويؤكد حيلاني أن ترامب يسعى لإنهاء الحرب ووقف الصراعات العنيفة، مع التركيز على
إسرائيل وفلسطين، ولكنه يفعل ذلك وفق رؤية "السلام بالقوة"، التي قد تتعارض مع مصالح الشركاء العرب.
وقال حيلاني: "السلام الذي يريده الرئيس ترامب ليس هو السلام الذي يريده الشركاء العرب"، موضحا أن المفهوم الأميركي للسلام يتمحور حول فرض السيطرة على غزة، والقضاء على حماس، وإيقاف إطلاق النار، بينما تتجاهل هذه الرؤية الاعتبارات السياسية العميقة المتعلقة بالدولة الفلسطينية ومصالح الشعب الفلسطيني.
وأضاف: "حل الدولتين هو تفصيل بالنسبة لإدارة ترامب"، مشيرا إلى أن الإدارة الأميركية ترى أن مقومات الدولة الفلسطينية غير متوفرة في الوقت الحالي، وأن أي محاولة لإقامة دولة فلسطينية قد تُفهم على أنها مكافئة لحركة حماس. ويعكس هذا التوجه تركيزًا على السلام الجزئي والتسوية المحدودة، بعيدًا عن الحل السياسي الشامل.
واستعرض حيلاني التحديات التي تواجه ترامب في عرض رؤيته للسلام أمام القمة، مشيرا إلى أن رسائل التطمين التي قد تقدمها
الولايات المتحدة إلى الحلفاء العرب لن تكون كافية لإقناعهم بالانضمام إلى الاتفاقات الإبراهيمية، خصوصا مع رفض
السعودية الدخول في أي عملية تطبيع قبل حل الدولتين.
كما نبه حيلاني إلى أن أي إعلان عن توسع الاتفاقات الإبراهيمية سيتأثر بمواقف الشركاء، الذين يمتلكون مصالح اقتصادية واستراتيجية مستقلة، مثل تركيا ومصر، مما يزيد من صعوبة فرض أي رؤية أميركية أحادية.
وأضاف: "الوضع الإنساني في غزة، بعد أحداث 7 أكتوبر، أصبح نقطة ضغط على الرأي العام الأوروبي والغربي، وحتى داخل الولايات المتحدة، مما يضعف القدرة الأميركية على فرض حلول دون مراعاة المطالب الإنسانية والسياسية للفلسطينيين".
ترامب والسلام الاقتصادي
من جانبه، قدم بشير عبد الفتاح قراءة متعمقة لشخصية ترامب، موضحا أنها تتميز بالميل إلى الأضواء والتأثير، والرغبة في أن يكون في قلب الحدث، بالإضافة إلى خلفيته كرجل أعمال ورجل صفقات.
ويؤكد عبد الفتاح أن هذه الشخصية تؤثر بشكل مباشر على رؤيته للسلام، الذي يعتمد على ثلاثة اعتبارات رئيسية:
الطموح لنيل جائزة نوبل للسلام: يسعى ترامب لتعزيز مكانته التاريخية والسياسية من خلال تحقيق إنجازات سياسية يُحتفى بها عالميًا.
السلام من خلال القوة: أي فرض إرادته بالقوة على الأطراف الضعيفة، وهو ما يتماشى مع سياسات إدارة نتنياهو في مواجهة
الفلسطينيين.
السلام الاقتصادي: أي تقديم مشاريع تعاون اقتصادي كبديل عن الحلول السياسية المعقدة، وهو ما يشكل خطأ استراتيجيًا حسب عبد الفتاح، لأن التجارب التاريخية تؤكد أن أي تعاون اقتصادي لن يدوم دون تسوية سياسية عادلة.
ويضيف عبد الفتاح أن "سلام ترامب هو سلام التطبيع"، إذ يركز على توسيع دائرة التعاون الاقتصادي والتطبيع بين إسرائيل والدول العربية، مع القفز على الخلافات السياسية والقانونية، واستبعاد الفلسطينيين من عملية السلام.
مقارنة تحليلية.. حيلاني وعبد الفتاح
إذا ما قارنا تحليلي الباحثين، نجد أن هناك نقاط تلاقٍ واختلاف:
• نقاط التلاق: كلاهما يرى أن ترامب يعتمد على القوة والدعاية الإعلامية، وأن رؤيته للسلام لا تتوافق مع مصالح الشركاء العرب. كما يتفقان على أن ترامب يركز على التطبيع الاقتصادي ومبادرات الاتفاق الإبراهيمي، مع تجاهل الخلافات السياسية العميقة.
• نقاط الاختلاف: يركز حيلاني على التحليل العملي والسياسي للسياسات الأميركية تجاه إسرائيل وفلسطين، وعلى الرسائل التطمينية التي قد تُقدم في القمة، بينما يقدم عبد الفتاح قراءة نفسية واستراتيجية لشخصية ترامب، مع التركيز على دوافعه الشخصية والطموحات الإعلامية، وكيف تؤثر هذه العوامل على سياساته في المنطقة.
التحديات الإقليمية أمام القمة
أشار التحليل المشترك إلى عدة تحديات أمام ترامب في قمة الثلاثاء:
تراجع الثقة العربية بالولايات المتحدة: خصوصًا بعد العدوان
الإسرائيلي على الدوحة، الذي كشف انحياز الإدارة الأميركية الكامل لإسرائيل.
البحث عن شراكات موازية: لجأت دول مثل السعودية إلى باكستان، ومصر إلى تركيا، لتأمين مصالحها الدفاعية بعيدًا عن المظلة الأميركية، مما يقلل من قدرة ترامب على التأثير العسكري والسياسي.
كما أشار حيلاني إلى أن إدارة ترامب لا ترى في السلطة الفلسطينية شريكًا فعالًا، وتتعامل مباشرة مع الدول العربية، لكنها لا تقدم حلولاً جذرية للقضية الفلسطينية، مما يحد من فاعلية أي اتفاق قد يُبرم.
الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية
برز الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية كعامل ضغط على إسرائيل وترامب معا، حسب حيلاني، إذ قد تتخذ تل أبيب خطوات انتقامية مثل ضم أجزاء من الضفة الغربية أو تصعيد الاستيطان.
ويشير حيلاني إلى أن إدارة ترامب تهتم بضمان استقرار وقف الحرب، لكنها لا تسعى لتحقيق دولة فلسطينية مستقلة، مما يقلل من تأثير الاعترافات الدولية على الأرض.
وأكد عبد الفتاح أن هذه الاعترافات تعكس قدرة الدول العربية على استخدام تأثيرها الجيوسياسي والاقتصادي، خصوصًا فيما يتعلق بأمن الطاقة والممرات الاستراتيجية مثل قناة السويس وباب المندب، كأوراق ضغط ضد أي سياسات أميركية أحادية.
سيناريوهات القمة
مع اقتراب القمة المرتقبة، تتجه الأنظار نحو لقاء قد يعيد رسم ملامح الاستقرار الإقليمي، في ظل تحديات متشابكة ومصالح متقاطعة.
يشير الباحث بشير عبد الفتاح إلى أن القمة ستركز على ثلاثة محاور حاسمة:
تقديم تطمينات للدول العربية بأن إسرائيل لن تمثل تهديدًا عسكريًا لها، مع تأكيد التزام الولايات المتحدة بحماية مصالحها الاستراتيجية؛
إبراز ترامب كوسيط سلام إعلامي من خلال تسويق مفهوم "السلام من خلال القوة" و"السلام الاقتصادي"؛
محاولة توسيع اتفاقيات التطبيع الإبراهيمية لتشمل دولًا عربية جديدة، على الرغم من استمرار رفض بعض الدول، مثل السعودية، الانضمام قبل حل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين.
ويشدّد عبد الفتاح على أن أي مسعى لتسويق "سلام ترامبي" سيواجه تحديات حقيقية، في وقت تبحث فيه الدول العربية عن شراكات موازية تضمن مصالحها بعيدًا عن الضغوط الخارجية.
المخاطر الاستراتيجية
تطرق حيلاني إلى السيناريوهات المحتملة بعد الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، مشيرًا إلى أن إسرائيل قد ترد بضم أجزاء من الضفة الغربية أو توسيع الاستيطان، كرد على ما وصفه بـ"تهافت دول العالم الكبرى للاعتراف بفلسطين".
وأضاف أن غرور نتنياهو وقوة إسرائيل قد تقابلها قيود استراتيجية من مصر، التي تعتبر الدولة الوحيدة القادرة على كبح جماح إسرائيل.
وأشار حيلاني إلى أن أي حرب محتملة بين مصر وإسرائيل قد تتطور لتشمل تدخلات عربية ودولية، ما قد يؤدي إلى تغييرات جيوسياسية كبيرة في المنطقة، مع ظهور نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، حيث تتصاعد أدوار
روسيا والصين كقطبين عالميين جديدين.
لن تكون قمة ترامب الأميركية العربية والإسلامية مجرد لقاء روتيني، بل اختبارا حقيقيًا لقدرة الإدارة الأميركية على إعادة صياغة صورتها الإقليمية ومصداقيتها أمام شركائها العرب.
فبين طموحات الرئيس الأميركي لإظهار نفسه "رجل السلام" وتحقيق مكاسب دعائية، وبين واقع المصالح العربية المتنوعة والضغوط الدولية، يبدو أن الطريق نحو سلام مستدام في الشرق الأوسط لا يزال محفوفا بالتحديات.
ورغم الطموحات الاقتصادية والتطبيعية التي يطرحها ترامب، فإن غياب التسوية السياسية الشاملة والالتزام بالمرجعيات الدولية يترك مساحة كبيرة للشكوك حول قدرة أي اتفاق على تحقيق نتائج حقيقية على الأرض.
وفي هذا السياق، تظل القمة منصة لإرسال الرسائل السياسية والدبلوماسية، أكثر من كونها مسارًا لحلول ملموسة، مع بقاء القضية الفلسطينية محور اختبار حقيقي لقدرة المجتمع الدولي على تحقيق توازن بين القوة والشرعية، بين المصالح والإرادة السياسية، وبين الإعلام والواقع.