شهدت مناطق عدة في
السودان خلال الأيام الثلاثة الماضية موجة جديدة من الفيضانات، أدت إلى خسائر محدودة مقارنة بالكوارث التي عرفتها البلاد في السنوات الثلاث الماضية، والتي أسفرت حينها عن مئات الضحايا وتدمير عشرات الآلاف من المنازل والمرافق العامة.
وأصدرت وزارة الري السودانية إنذاراً أحمر للتحذير من فيضانات واسعة النطاق، غير أن الساعات الأخيرة سجلت تراجعاً في منسوب النيل الأزرق، في حين بقي النيل الأبيض عند مستوياته المرتفعة.
وقد تأثرت مناطق في جنوب النيل الأزرق وولايتي سنار والجزيرة بالفيضانات، لكن من دون تسجيل خسائر بشرية حتى الآن، فيما غمرت مياه النيل الأبيض عدداً من المنازل في جنوب الخرطوم، خصوصاً في منطقة "الكلاكلة".
تجددت على إثر ذلك النقاشات حول دور سد النهضة الإثيوبي في هذه الفيضانات، إذ أن السد الذي افتتح رسمياً في 9 أيلول ويقع على بعد 15 كيلومتراً من الحدود السودانية، يحتجز 74 مليار متر مكعب من المياه
القادمة من الهضبة الإثيوبية خلال موسم الفيضان بين
تموز وتشرين الأول.
وبحسب خبراء، فإن احتجاز المياه وتدفق نحو 750 مليون متر مكعب عبر بوابات التصريف أثار المخاوف من تداعيات مباشرة على السودان، خصوصاً مع انخفاض السعة التخزينية لسدّي الروصيرص وسنار إلى أقل من 300 مليون متر مكعب.
وأشار الخبير أحمد آدم، الوكيل السابق في وزارة الري السودانية، إلى أن الإيرادات الواصلة من سد النهضة تراجعت للمرة الأولى منذ تشغيله من 738 مليون متر مكعب يوم الأحد إلى 699 مليون متر مكعب يوم الإثنين. وفي المقابل، استمرت إيرادات النيل الأبيض في الارتفاع خلال السنوات الأربع الماضية لتتجاوز ضعف المعدل السنوي، إذ بلغت حوالي 58 مليار متر مكعب، وهو ما يفسّر تأثر مناطق جنوب الخرطوم أكثر من غيرها.
ويرى بعض المراقبين أن الفيضانات الحالية ليست مرتبطة مباشرة بسد النهضة، بل هي امتداد لموجات متكررة عرفها السودان قبل تشغيله، بينما يعتبر آخرون أن توقيت ملء الخزان في موسم الخريف ساهم في تفاقم الوضع.
ويشدد المهندس نبيل النوراني على ضرورة تنسيق كامل بين السودان وإثيوبيا في إدارة تشغيل السد، موضحاً أن هذا التعاون كان مطروحاً في السابق، بل وشمل مشاركة السودان في دورات تدريبية متخصصة.
ويضيف النوراني أن السودان يمكن أن يجني فوائد عديدة من السد، سواء عبر زيادة
الدورة الزراعية أو تنظيم جريان النيل الأزرق أو الحصول على طاقة كهربائية بأسعار منخفضة، شرط أن يتم ذلك ضمن إطار تنسيق محكم يجنّب البلاد أي تداعيات سلبية.