تحتل الدول العربية مراكز متقدمة على قوائم استيراد السلاح عالمياً، حيث جاءت أربع دول هي
السعودية، الجزائر، الكويت والعراق ضمن أعلى 40 دولة في الإنفاق العسكري لعام 2024، وفق تقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام (SIPRI) الصادر في نيسان الماضي.
وتصدرت السعودية المرتبة الأولى عربياً والسابعة عالمياً بإنفاق بلغ 80.3 مليار دولار، فيما كانت الدول العشر الأكثر إنفاقاً عسكرياً عالمياً كالتالي:
الولايات المتحدة (997 مليار دولار)، الصين (314 مليار دولار تقريباً)،
روسيا (149 مليار دولار تقريباً)، ألمانيا (88.5 مليار دولار)، الهند (86.1 مليار دولار)، المملكة المتحدة (81.8 مليار دولار)، السعودية (80.3 مليار دولار)، أوكرانيا (64.7 مليار دولار)، فرنسا (64.7 مليار دولار)، واليابان (55.3 مليار دولار).
ويُتوقع أن يؤدي تصاعد التوترات والصراعات العسكرية في
الشرق الأوسط إلى زيادة حجم الإنفاق بشكل غير مسبوق، بعد أن بلغ إنفاق المنطقة 243 مليار دولار العام الماضي، بزيادة قدرها 15% مقارنة بالعام السابق. وتعزى هذه الزيادة إلى توسع الحرب
الإسرائيلية على غزة لتشمل
لبنان، إضافة إلى تهديدات في اليمن وإيران وسوريا، إلى جانب التنافس الإقليمي بين القوى العربية وإيران، الذي دفع الجيوش إلى تعزيز قواتها وتحديثها باستمرار عبر صفقات شراء أسلحة من الولايات المتحدة وروسيا والصين.
وفي لبنان، شهد الإنفاق العسكري ارتفاعاً بنسبة 58% خلال العام الماضي ليصل إلى 635 مليون دولار، بعد التوغلات الإسرائيلية في جنوب البلاد، ما يمثل زيادة هائلة في بلد يرزح تحت أزمة اقتصادية منذ عام 2019.
ولا تقتصر دوافع الدول العربية لدخول سباق التسلح على التحديات الخارجية، بل تشمل أيضاً أسباباً داخلية مثل مواجهة الإرهاب والتطرف، وضمان استقرار الأمن الداخلي بعد موجة الربيع العربي.
الإنتاج المحلي والتحول الصناعي في العالم العربي
الإمارات: دخلت الإمارات مجال التصنيع العسكري عبر شركة "إيدج" التي تأسست عام 2019 من اندماج أكثر من 25 شركة، وبلغت إيراداتها 4.9 مليار دولار، منها 2.1 مليار من الصادرات. وقد تراجعت واردات الإمارات من الأسلحة نتيجة التركيز على الإنتاج المحلي، حيث انخفضت حصتها من 4.1% إلى 2.7% من الإجمالي العالمي. وتتركز صادراتها على الأنظمة الدفاعية المنتَجة محلياً، بما في ذلك المركبات المدرعة والطائرات المسيّرة والذخائر.
الأردن: حقق الأردن إنجازاً مماثلاً عبر المركز الأردني للتصميم والتطوير "جودبي"، الذي بدأ بإعادة تصميم المعدات العسكرية وتوسّع ليشمل الصناعات الذكية مثل الأنظمة الأرضية والطائرات المسيّرة “شاهين”، إضافة إلى أنظمة إلكترونية ومضادات للطائرات المسيّرة. يضم المركز 12 شركة و7 وحدات أعمال، ويشرف على معرض "سوفكس"، ويُنتج أكثر من 80 منتجاً دفاعياً تصل إلى 37 دولة.
السعودية: جاءت السعودية في المرتبة السابعة عالمياً في الإنفاق العسكري، وتسعى لتوطين الصناعة العسكرية عبر الشركة السعودية للصناعات العسكرية (SAMI)، بهدف توجيه 50% من الإنفاق العسكري إلى المنشآت المحلية بحلول 2030، مع طموحات للانضمام إلى أكبر 25 شركة عالمية. وأنشأت المملكة الهيئة الأكاديمية الوطنية للصناعات العسكرية عام 2022 بطاقة استيعاب تصل إلى ألفي طالب، بهدف رفع الاعتماد على المواد المحلية إلى 70%. كما دخلت في شراكة استراتيجية مع تركيا لإنتاج وتجميع طائرات مسيّرة مثل "أكنجي" و"هبوب"، مع تصنيع المسيّرة السعودية "ASEF-I" في تركيا.
مصر: تشرف وزارة الإنتاج الحربي والهيئة العربية للتصنيع على الإنتاج المحلي، إضافة إلى عمليات التجميع وفق تراخيص لتكنولوجيا أجنبية، مع توجيه الإنتاج لتلبية احتياجات القوات المسلحة، بما يشمل دبابات "أبرامز"، بنادق كلاشنيكوف، زوارق وفرقاطات، وصواريخ مضادة للدروع مثل كورنيت وراجمات صواريخ.
المغرب: يعتمد المغرب على خبرته في صناعة السيارات والطائرات لبناء صناعة دفاعية، وارتفع إنفاقه العسكري بنسبة 2.6% العام الماضي ليصل إلى 5.5 مليارات دولار. وافتتح المغرب بالتعاون مع “تاتا أدفانسد سيستمز” الهندية مصنعاً لإنتاج المدرعة "دبليو إتش إيه بي 8×8" بطاقة 100 عربة سنوياً، 35% منها محلية سترتفع إلى 50%، للاستخدام المحلي والتصدير. كما تخطط شركة "بايكار" التركية لإنشاء مصنع للمسيّرات في المغرب.
الجزائر: تمتلك الجزائر قاعدة تصنيع عسكري محلي مكنتها من تقليص الإنفاق على الاستيراد، وعرض الجيش منتجات جديدة في معرض الجزائر الدولي، تشمل مسدسات رشاشة ومدافع مضادة للطيران ومركبات تكتيكية وعربات مدرعة، بالإضافة إلى زوارق هجومية وقاطرات وأنظمة مراقبة سواحل. كما تصنع الجزائر طائرتي "فرناس 142" و"سفير 43"، وأصدر الرئيس عبد المجيد تبون قراراً لمنع استيراد بعض المعدات العسكرية دون موافقة مسبقة لحماية المنتج المحلي.
قطر: ووقعت "برزان القابضة" اتفاقيات مع شركات أوروبية لتصنيع البنادق والذخائر محلياً منذ 2018، وفي 2023 أعلنت تصنيع وتطوير أسلحة محلية بنسبة 100% لتغطية الحاجة الداخلية، بما في ذلك تجهيزات الجندي القطري. كما أُنشئت شركة "ستارك موتورز" القطرية بالشراكة مع بريطانيا لإنتاج مدرعات محلية بوزن 13 طناً قادرة على حمل 5 أطنان من الذخائر والأفراد، إضافة إلى شراكات مع شركات تركية لتطوير أنظمة التحكم عن بعد.
تُظهر التجارب العربية انتقالاً تدريجياً من الاعتماد على الاستيراد إلى بناء قدرات صناعية محلية تتفاوت بين التجميع الجزئي والتصنيع الكامل، مع سعي مشترك لتقليل التبعية وتعزيز الاستقلالية، في مسار طويل يحكمه التطور التكنولوجي والشراكات الاستراتيجية والكفاءات الوطنية.