كتب موقع "
سكاي نيوز عربية": في لحظة سياسية توصف بالحساسة، تتجه الأنظار إلى
دمشق حيث كُتبت فصول أول انتخابات تشريعية بعد عقد من النزاعات والانقسامات.
انتخابات وصفتها السلطات
السورية بأنها "تاريخية"، فيما رآها منتقدون مجرد "واجهة سياسية" تُكرّس سلطة الأمر الواقع، بين من يرى فيها بداية "ديمقراطية انتقالية" ومن يعتقد أنها إعادة إنتاج لمنظومة قديمة بثوب جديد.
الكاتب والباحث السياسي بسام
السليمان وصف هذه الانتخابات في حديثه لسكاي نيوز عربية بأنها "خطوة ضرورية ضمن سياق الاستثناء الانتقالي"، موضحا أن "المرحلة الحالية لا تحتمل تطبيق المعايير
الديمقراطية الكاملة، بل تقتضي حلولا مرحلية تضمن انتقال السلطة التشريعية وملء الفراغ المؤسسي".
لكن صلاحية الرئيس في تعيين 70 نائبا من أعضاء مجلس الشعب أثارت الجدل. فبينما اعتبرها السليمان "ضرورة لتوازن تمثيلي"، رأى رئيس حركة البناء الوطني أنس جودة أنها "تعبير عن استمرار الهيمنة الرئاسية"، مشيرا إلى أن "القصة ليست طوائف ولا أعراق، بل تمثيل سياسي مفقود".
وأضاف جودة في تصريحه لسكاي نيوز عربية: "السلطة أغلقت كل أبواب المشاركة منذ مؤتمر النصر حتى الإعلان الدستوري، وجمعت كل المخرجات في رأي واحد هو رأيها.. الانتخابات لم تكن سوى وسيلة شكلية لتأكيد استمرار سلطة مركزية لا تسمح بتعدد الآراء أو بتمثيل الأطراف
المعارضة".
أما استبعاد مناطق
الشمال الشرقي والسويداء من الاقتراع، فكان أيضا مثار تساؤل حول عدالة العملية. فبينما قلل السليمان من أثر ذلك مؤكدا أن الأقليات "شاركت من مناطق أخرى داخل البلاد"، شدد جودة على أن "غياب هذه المناطق يعكس أزمة بنيوية في بنية الحكم لا يمكن تجاوزها بالتبريرات الأمنية".
وتتباين رؤيتا السليمان وجودة في تفسير ما يسمّى بـ"الاستثناء الانتقالي". فالسليمان يرى فيه إطارًا قانونيًا مشروعًا يتيح للدول الخارجة من الحروب مرونة في بناء مؤسساتها، معتبرًا أن "الكثير من الدول الانتقالية تعيّن مجالسها بالكامل، بينما
سوريا اختارت صيغة الثلثين بالانتخاب والثلث بالتعيين بعد نقاشات مطولة".
أما جودة، فيصف هذا المفهوم بأنه "انحراف عن جوهر الانتقال السياسي"، موضحًا أن "الانتقال لا يعني انتخابات فقط، بل تأسيس سلطة تشاركية تقوم على توافق وطني حقيقي".
ويضيف جودة:"لا يمكن بناء مرحلة انتقالية عبر مؤسسات تُدار بنفس المنهج الذي أنتج الأزمة. نحن بحاجة إلى عقد سياسي جديد لا إلى انتخابات تكرّس القائم".
وفي محور تمثيل المرأة، يرى السليمان أن النساء "كُنّ أكبر من ظلم في هذه الانتخابات"، داعيا إلى تعزيز ثقافة المشاركة، بينما يؤكد جودة أن "المرأة لم تختر نفسها بحرية، بل ضمن حدود فكر السلطة ذاتها".
ويختلف الرجلان أيضا في تقييم نتائج العملية
الانتخابية؛ فالسليمان يعتبرها "خطوة واقعية نحو استقرار مؤسسي مؤقت"، في حين يصفها جودة بأنها "اختبار فاشل لفكرة الانتقال السياسي لأنها تكرس الصوت الواحد باسم الديمقراطية".
وبين هذين الموقفين، تبدو سوريا وكأنها تقف عند مفترق طريقين: الأول يقود إلى "ديمقراطية تحت الإنشاء"، والثاني يعيدها إلى "واجهة سياسية مكرّرة". وبينهما تظل الحقيقة معلقة بين واقع يحاول أن يتنفس بعد حرب طويلة، وحلم تحول
ديمقراطي ما زال مؤجّلًا.