ذكر موقع "ارم نيوز" أن الخبراء أكدوا أن مشاهد استسلام جماعي للقوات
الأوكرانية، في "بوكروفسك" تمثل مؤشرا واضحا على دخول الحرب في
أوكرانيا مرحلة جديدة من الإنهاك والانهيار، بعدما فشلت القوات الأوكرانية في الحفاظ على خطوطها الدفاعية أو تأمين الإمدادات اللوجستية.
ورأى الخبراء أن ما يحدث ليس انهيارا شاملا بعد لكنه يعكس تفكك الجبهات وتراجع القدرة على الصمود في مواجهة التقدم الروسي البطيء والمدروس، وهو يفتح الباب أمام تحول استراتيجي يُنذر بانتهاء مرحلة
المقاومة وبدء صفحة التراجع الأوسع لأوكرانيا.
وأعلنت
وزارة الدفاع الروسية أن جنودا أوكرانيين محاصرين في المدينة بدؤوا بالاستسلام مع تسارع انهيار مواقعهم، واصفة ما يجري بأنه تدهور سريع في دفاعات كييف أجبر المئات على تسليم أنفسهم طوعاً.
وأكدت الدفاع الروسية أنها نجحت في التمركز بمنطقة "بريجورودني" القريبة من محطة السكك الحديدية والمنطقة الصناعية، بينما واصلت تدمير ما تبقى من التشكيلات الأوكرانية المحاصرة.
وفي المقابل، حاولت كييف التقليل من حجم الاختراق الروسي، مؤكدة أنها حسنت مواقعها في بعض الأحياء، إلا أن القائد العام للقوات المسلحة، أولكسندر سيرسكي، أقر بتكثيف الهجمات الروسية على محور المدينة في مقاطعة دونيتسك.
وقال ديميتري بريجع، مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، إن ما يجري في الميدان الأوكراني لا يمكن اعتباره انهيارا كاملا إلا أن الوضع العسكري الأوكراني ليس في حالة جيدة، مبينًا أن الحرب الدائرة بين
موسكو وكييف باتت حرب استنزاف، تعتمد فيها أوكرانيا بشكل كبير على الدعم
الغربي والاستخباراتي المقدم لها.
وأضاف أن أوكرانيا حاولت اختراق مقاطعة كورسك بهدف تأجيج الوضع داخل
روسيا واستهداف مراكز الصناعات العسكرية الروسية، إلا أن المشروع لم ينجح في إصابة أهدافه، مشيرًا إلى أنه حتى على مستوى "شبكة العنكبوت" أي البنية التكنولوجية والاستخباراتية لم يتغير ميزان القوى.
وأشار بريجع إلى أن الحرب بطبيعتها قائمة على الخسائر والمكاسب، موضحًا أن فشل القوات الأوكرانية في بوكروفسك يعكس ضعف التواجد العسكري لكييف في المنطقة، سواء على مستوى الفيالق أو المجموعات القتالية، وهو ما أدى إلى انهيار الخطط الدفاعية وغياب الرؤية الواضحة لحماية
الجبهة.
وأوضح أن الدفاعات العسكرية تقوم على توافر قوات كافية وخطوط إمداد لوجستي فعالة، وعندما تُحاصر القوات ويُقطع عنها الإمداد، فإنها "تفقد قدرتها على الصمود".
ولفت بريجع إلى أن القوات الروسية نجحت في محاصرة القوات الأوكرانية في بوكروفسك وقطع خطوط الإمداد عنها ما أدى إلى سقوط المنطقة كما حدث في مناطق أخرى.
ونوه بأن التقدم الروسي بطبيعته بطيء من الناحية العسكرية، لكنه جزء من معركة استنزاف طويلة المدى، تعتمد فيها موسكو على خطة زمنية محددة للتقدم البطيء المدروس بدلًا من السعي إلى الحسم السريع.
السيناريو السوري
من جهته، قال رامي القليوبي، الأستاذ بكلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، إن مدينة بوكروفسك تُعد موقعًا استراتيجيًا مهمًا وبأن المعارك من أجلها استمرت منذ بداية العام الماضي.
واعتبر في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن هذا التقدم يمثل إنجازا استراتيجيا كبيرا لروسيا، وربما يكون الانتصار الأبرز لها هذا العام لأنه يفتح الطريق نحو شمال مقاطعة دنيبروبتروفسك.
وأضاف القليوبي، أن الحديث عن انهيار الجبهات الأوكرانية غير دقيق، موضحًا أن مناطق مثل التكتل الخضري لا تزال تحت سيطرة كييف، فضلًا عن وجود مساحات واسعة في زاباروجيا وخيرسون ما زالت خاضعة للسيطرة الأوكرانية.
وأشار إلى أن ما يجري حرب استنزاف تحقق فيها روسيا تقدما تدريجيا، مستفيدة من قدرة اقتصادها الأعلى على الصمود، وهو ما يمكنها استقطاب أفراد للقتال مقابل أجور مغرية دون الحاجة إلى إعلان تعبئة عامة، وهو ما يمنحها مرونة أكبر في إدارة الصراع.
وأكد القليوبي أن هناك انطباعا بأن روسيا تسعى لاستنزاف أوكرانيا إلى الحد الذي يُجبر كييف والغرب على القبول بشروط الكرملين، أو تمهيد الطريق لتوجيه ضربة قاضية.
ولفت إلى أن ما يجري قد يشبه ما حدث في
سوريا في نهاية العام الماضي، حين صمد النظام أكثر من 10 سنوات قبل أن ينهار خلال أيام، مع الفارق أن
روسيا اليوم هي الطرف المتقدم لا المدافع، وربما تراهن على أن تقدمها الميداني سيدفع الغرب نحو قبول أوسع بشروطها للتسوية.