وقالت الصحيفة إن الزيارة "اتسمت بزخمٍ سياسيّ لافت ونتائج وُصفت داخل واشنطن والرياض بالاستثنائية"، وأضافت: "النتائج التي حملتها الزيارة لم تُقرأ بصفتها تطوراً في مستوى التعاون، بل أعطت مؤشراً لتحوّل أعمق في موقع السعودية داخل المشهدين الإقليمي والدولي، بوصفها لاعباً مستقلاً يملك القدرة على صياغة إيقاعه وفرضه ضمن بيئة تتغيّر بسرعة".
ويؤكد الدكتور هشام الغنّام، الخبير في مركز "مالكوم كير كارنيجي"، أن "ما يجري في واشنطن ليس مجرّد بروتوكول ولا استئناف لمسار قديم، بل لحظة تعيد ترتيب وزن الفاعلين في منظومة الأمن الإقليمي".
وذكر الغنام في حديثه لـ"الشرق الأوسط" أن "استقبال ولي العهد بهذا المستوى، مقروناً بإعلان المضي في بيع مقاتلات (إف - 35) للمملكة، وفتح مسار لاتفاق نووي سلمي محتمل، إلى جانب حزمة واسعة من الصفقات الدفاعية والاقتصادية والتكنولوجية، يُظهر أن موقع الرياض بات يُدار بوصفه عنصراً فاعلاً في تشكيل معادلة القوة والاعتماد المتبادل، لا مجرد طرف مُلحق بإيقاع الآخرين".
وشهدت الزيارة إعلان ترمب رسمياً تصنيف السعودية "حليفاً رئيسياً خارج حلف شمال الأطلسي"، وموافقته على بيعها مقاتلات "إف - 35" الأكثر تقدّماً في العالم، في سابقة لجيش عربي.
أيضاً، شهدت توقيع اتفاقية الدفاع الاستراتيجي، والشراكة الاستراتيجية للذكاء الاصطناعي، والإعلان المشترك لاكتمال المفاوضات بشأن التعاون في مجال الطاقة النووية المدنية، والإطار الاستراتيجي للتعاون في تأمين سلاسل إمدادات اليورانيوم والمعادن والمغانط الدائمة والمعادن الحرجة.
ويعتقد الغنّام، وهو المشرف العام على برنامج الأمن الوطني في جامعة نايف، ومن زاوية أمنية سعودية، أن "هذه التطورات تعكس انتقالاً تدريجياً من دور (العمق) إلى دور (تشكيل المشهد)"، وتابع: "المملكة تدخل هذه المرحلة وهي تجمع بين ثلاثة عناصر نادرة في منطقة مضطربة: قدرة مالية واستثمارية مؤثرة، موقع مركزي في أسواق الطاقة والمعادن الحرجة، وقاعدة متنامية في مجالات التقنية والذكاء الاصطناعي".
وأسفر "منتدى الاستثمار الأميركي - السعودي" عن توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين الجانبين بقيمة تقارب 270 مليار دولار.
من جانبه، يرى الدكتور خالد باطرفي، الأكاديمي والمحلل السياسي، أن الزيارة شهدت مستوًى من الرمزية السياسية يتجاوز إطار الصفقات، ويمكن قراءتها بصفتها إعلاناً عن إعادة توزيع للأدوار داخل منظومة التحالف التقليدي".
ويعلل ذلك بقوله: "بيع مقاتلة (إف - 35) إذا اكتمل بشروطه التقنية والعملياتية، يعني أن واشنطن باتت تنظر إلى السعودية بوصفها فاعلاً قادراً على حمل مسؤوليات أمنية إقليمية أوسع، وليس مجرد متلقٍ للمظلة الأميركية، وهذا يضع الرياض في موقع اللاعب المستقل القادر على فرض إيقاعه، سواء في بناء توازنات ردع إقليمية أو في هندسة منظومات أمنية جديدة بالتعاون مع الشركاء الدوليين".
ويؤكد أستاذ دراسات الشرق الأدنى مدير "معهد دراسات الشرق الأوسط المعاصر وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى" بجامعة برينستون، البروفسور برنارد هيكل، في حديث سابق لـ"الشرق الأوسط" بأن الاتفاقيات تشير إلى أن السعودية والولايات المتحدة "حليفان استراتيجيان"، وهي "تُضفي طابعاً رسمياً على هذا النوع من التحالف".
وترتبط السعودية بعلاقات وثيقة بالولايات المتحدة لنحو تسعة عقود، ترسخت خلالها مجالات التعاون بشكل أعمق.
الدكتور صالح الخثلان، وهو "مستشار أول" بمركز الخليج للأبحاث، لديه مقاربة مختلفة؛ إذ يرى أن أهم ما نتج من زيارة ولي العهد هو فكُّ الارتباط بين مسار العلاقات مع الولايات المتحدة وملف التطبيع، حسب وصفه.
ويعتقد الخثلان أن "الدور السعودي حاضر دائم والزيارة لم تنقل السعودية إلى موقع جديد؛ فالمملكة كانت دائماً لاعباً مؤثراً، يتخذ قراراته وفق مصالحه ويدير علاقاته الدولية باستقلالية تامة".
لكن الخثلان لفت إلى إسهام الرياض "بصورة أوضح وأكبر في تشكيل المشهد الإقليمي، ويعود ذلك إلى امتلاكها رؤية واضحة لما ينبغي أن يكون عليه هذا المشهد". (الشرق الأوسط)