تشهد حكومة رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تقاطعات خطيرة بين أزمات داخلية متفاقمة وضغوط سياسية للانتقال للمرحلة الثانية من خطة الرئيس الأمريكي
دونالد ترامب، وسط تصاعد العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في غزة وجنوب
لبنان، الأمر الذي يراه مراقبون محاولة افتعال حرب تنقذ حكومة نتنياهو من شبح الانهيار الوشيك.
وفي وقت يواصل نتنياهو تعزيز قبضته الأمنية والعسكرية في محاولة لمواجهة احتمالية انهيار حكومته وتصدع الداخل الإسرائيلي، أعلن عن اغتيال
أبو علي الطبطبائي، رئيس أركان "
حزب الله"، سبقت ذلك جولة عسكرية قام بها في جنوب
سوريا الأسبوع الماضي.
وأعلن نتنياهو مقتل الطبطبائي، مؤكدًا أن
إسرائيل لن تسمح لـ"حزب الله" بإعادة بناء قوته، ومطالبًا الحكومة
اللبنانية بتنفيذ التزاماتها بنزع سلاح الحزب.
ووفق مراقبين فإن خطوات نتنياهو تبدو كجزء من استراتيجية لتثبيت موقعه في السلطة وإعادة حشد الشارع الإسرائيلي حوله، عبر افتعال حروب جديدة هروباً من شبح المحاكمة في وقت تتصاعد فيه الأزمات الداخلية.
ووسط تصاعد التوترات على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، تبرز مخاوف من انزلاق المنطقة نحو جولة جديدة من التصعيد، في وقت تتعرض فيه حكومة نتنياهو لضغوط داخلية غير مسبوقة، فقد شهدت الدائرة الضيقة المحيطة بنتنياهو قبل عشرة أيام استقالات وإقالات متتابعة، أبرزها استقالة وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، وإقالة مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي، فيما استعد مدير ديوان نتنياهو تساحي برافيرمان لمغادرة منصبه سفيرا في لندن.
وإزاء هذا المشهد يقول رئيس لجنة فلسطين في مجلس النواب الأردني سليمان السعود إن نتنياهو يعيش اليوم واحدة من أكثر المراحل السياسية هشاشة في تاريخه، وإن تفاقم أزماته الداخلية يدفعه على ما يبدو إلى البحث عن مخرج عبر إشعال جبهة عسكرية جديدة، سواء في لبنان أو الضفة الغربية أو عبر التلويح بتصعيد مباشر مع
إيران، في محاولة لتقديم نفسه للشارع الإسرائيلي باعتباره حامي الوجود وعمود الأمن القومي.
وأضاف السعود أن نتنياهو أكثر رئيس حكومة إسرائيلي تسبب بانقسام داخلي عميق، وأنه لم يعد يمتلك أي خطاب يوحد الداخل، بل باتت تصريحاته تُطلق فقط لامتصاص الغضب الشعبي أو لشراء الوقت، في وقت تتصاعد فيه الخلافات داخل مؤسسات الحكم والجيش، وتتعالى الأصوات المطالبة برحيله.
وقال إن أي مغامرة عسكرية اليوم قد تكون مدفوعة باعتبارات سياسية داخلية لدى نتنياهو، لا بمصالح الأمن والاستقرار في المنطقة.
ووفق عضو المجلس المركزي الفلسطيني عمران الخطيب، فإن حكومة نتنياهو تواجه أزمات رئيسة، عبر تصاعد المظاهرات في تل أبيب للمطالبة بمحاسبة نتنياهو بسبب التقصير في أحداث 7 تشرين الأول، والفضائح المالية داخل مكتب نتنياهو، المتعلقة بتلقيه وأعضاء مكتبه للرشاوى.
ويقول الخطيب إن مسألة مظاهرات الحريديم ورفض الخدمة في الجيش الإسرائيلي، والصراع المستمر بين المتدينين وأحزاب أخرى حول التعديلات التي يطالب بها المتدينون أمر يضاف إلى التهديدات الحقيقية التي قد تنسف حكومة نتنياهو.
ويقول إن أحداث 7 تشرين الأول وحدت الإسرائيليين مؤقتًا، لكنها كشفت هشاشة النظام السياسي وتعقيدات الصراع الداخلي.
ويخلص الخطيب إلى القول إن حكومة نتنياهو تريد تهجير الفلسطينيين كهدف استراتيجي، وفي الوقت نفسه تريد البقاء في قطاع غزة تحت مسمى حماية المستوطنات الاستعمارية بغلاف غزة، وفي الوقت نفسه أيضًا تعمل على إطلاق العنان للمستوطنين في الضفة الغربية.
فيما يرى المحلل السياسي رياض منصور أن نتنياهو قد يفتعل حربًا جديدة بعد غزة للهروب من المحاكمة، وإعادة تجميع قاعدته السياسية حوله عبر استثارة المخاوف الأمنية.
ويضيف منصور أن نتنياهو لا ينوي التوقف عن الحروب، وأن وجهته القادمة قد تكون جبهات إقليمية أخرى، فبالنسبة لرجل يتغذى سياسيًا على الصراعات، قد تمثل التهدئة خطرًا وجوديًا على بقائه في السلطة.
ويشير منصور إلى أن الضغوط الأمريكية دفعت إسرائيل نحو قبول تهدئة في غزة، لكنها لم تكن رغبة سياسية إسرائيلية بقدر ما كانت استجابة لحسابات استراتيجية فرضتها واشنطن، ورغم الانكفاء عن التصعيد في غزة، يرى منصور أن إسرائيل ستسعى لتعويض خسارة غزة عبر جبهات أخرى، وعلى رأسها الجنوب اللبناني.
وأكد أن أكبر عقبة أمام أي تهدئة شاملة في المنطقة تتمثل في التيارات الدينية والقومية المتطرفة داخل إسرائيل، التي لا ترى في التسويات السياسية خيارًا استراتيجيًا، بل تعتبر أن الصراعات هي الوسيلة الأنسب لتحقيق أهدافها الأيديولوجية والتوسعية، مؤكدا أن استمرار التوترات العسكرية يمنح نتنياهو شرعية الاستمرار ويبعد عنه شبح المحاكمة.
وقبل أيام، نقلت صحيفة "يديعوت أحرنوت" أن إسرائيل تواجه أزمة صحية نفسية واجتماعية غير مسبوقة بعد صدمة حرب أكتوبر، مع تحذيرات من حالة طوارئ نفسية نتيجة اضطراب ما بعد الصدمة، وهو ما يعكس تآكل الثقة بالمؤسسات، وتنامي الاحتقان الشعبي.
وأمام هذا المشهد من الاحتقان في الداخل الإسرائيلي يرى مراقبون أن نتنياهو يسعى لاستخدام الحرب كأداة للبقاء في السلطة، وسط مخاوف من تصاعد التوترات مع "حزب الله" واحتماليات تصدع اتفاق وقف الحرب على غزة. (ارم نيوز)