Advertisement

عربي-دولي

كيف سقطت "السي آي إيه" في أكبر عمليات التضليل الكوبية؟

Lebanon 24
04-12-2025 | 15:50
A-
A+
Doc-P-1450961-639004854444144466.jpg
Doc-P-1450961-639004854444144466.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
في مساء هادئ من حزيران 1987، تلقّى جيمس أولسون، مسؤول محطة الاستخبارات الأميركية في فيينا، اتصالاً عاجلاً من السفارة الأميركية. لم يتوقّع شيئاً مهماً، لكن ما إن وصل حتى وجد رجلاً كوبياً وفتاةً صغيرة إلى جانبه، ومعهما جوازا سفر رسميان أثارا انتباهه.
Advertisement
 
تكلّم الرجل بالروسية، وبدأ يسرد أسماء ضباط وكالة المخابرات المركزية السرّيين في أوروبا الشرقية. عندها أدرك أولسون أن ما يجري يتجاوز كل توقعاته، فنُقل الرجل والفتاة إلى مكان آمن، ثم أُخرجا من النمسا قبل الفجر.

الرجل كان العقيد فلورنتينو لومبارد، رئيس محطة الاستخبارات الكوبية في براغ، والفتاة عشيقته ابنة دبلوماسي كوبي. جاءا لعرض خدماتهما على واشنطن. لكن الصدمة الكبرى جاءت حين كشف لومبارد أن 38 عميلاً كوبيًا كانت السي آي إيه تظنّ أنها جنّدَتهم خلال 26 عاماً، لم يكونوا سوى عملاء مزدوجين يعملون لصالح هافانا، وأن كل المعلومات والمعدات والأموال التي أُرسلت إليهم انتقلت مباشرة إلى الاستخبارات الكوبية. قال أولسون لاحقاً: "أكره الاستخبارات الكوبية، لكنني أحترمها وأخشاها".

هذه القصة واحدة من عشرات أمثلة التجسس المزدوج التي يرويها أولسون في كتابه. فالعميل المزدوج يعمل لجهتين في آن واحد، وهو أكثر أشكال التجسس تعقيداً، لأنه يقوم على علاقة هشّة قابلة للانهيار. وبعض الحالات بقيت غامضة لسنوات، مثل موريس تشايلدز الذي حظي بتكريم أميركي وسوفياتي معاً، وأشرف مروان الذي لا يزال الجدل قائماً حول حقيقة دوره عشية حرب 1973.

عملية التجسس المزدوج تبدأ باختيار شخص قادر على التمثيل، ضبط الأعصاب، قراءة الآخرين، والالتزام الكامل. يُبنى له غطاء كامل لحياته، وتُهندس اللحظة التي يظهر فيها كمنشق محتمل. ثم يبدأ الضخّ التدريجي لمعلومات غير مؤذية ولكن تبدو مقنعة للخصم، مع مراقبة سلوكه بدقة لأن أي ثغرة قد تطيح بالعملية.

وتسعى الاستخبارات من خلال العميل المزدوج إلى فهم طريقة عمل الخصم، تحديد ضباطه، معرفة أولوياته، تضليله، استنزافه مالياً وعملياتياً، وربما محاولة دفع ضابط حالته نفسه للانشقاق. وقد استخدمت هذه الأساليب تاريخياً لإحداث اختراقات كبرى، أبرزها تضليل الألمان في الحرب العالمية الثانية حول مكان إنزال النورماندي.

لكن الخطر الأكبر يبقى العميل نفسه؛ فهو يعيش انقساماً نفسياً دائمًا بين جهتين، ما يجعله عرضة للانهيار أو تبدّل الولاء. وفي أحيان نادرة، ينهار النظام كله من جهة الخصم، كما حدث مع انشقاق لومبارد، الذي كشف واحدة من أعمق الضربات التي تلقتها السي آي إيه في تاريخها.

التجسس المزدوج عالم يقوم على الدقة والصبر وإدارة النفوس. نجاحه يمنح الاستخبارات نافذة على طريقة تفكير العدو، وإخفاقه قد يطيح بسنوات من العمل السري.
 
(الجزيرة)
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك