كتبت "آرم. نيوز": تعزز الهند استقلالية قرارها الدفاعي وتؤكد تمسكها بشراكتها التاريخية مع موسكو، من خلال توسيع ترسانتها من منظومة الدفاع الجوي الروسية إس-400 واستئجار غواصة هجومية نووية من روسيا، رغم التهديدات الأميركية بعقوبات، بحسب وكالة "بلومبرغ".
وتتزامن هذه التحركات مع زيارة
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى نيودلهي، في ظل توتر متزايد بالعلاقات الهندية الأمريكية وتعثر قمة “الرباعية” لعام 2025.
وترسل هذه الخطوات رسالة واضحة بأن الهند متمسكة بشراكتها الدفاعية مع روسيا، وفي الوقت نفسه ترفض أي قيود على سياستها الأمنية تجاه باكستان والصين.
الدرع الجوي الذي يثير غضب واشنطن
اشترت الهند في 2018 خمسة أفواج من منظومة إس-400 الروسية مقابل نحو 5 مليارات دولار، وتدرس اليوم إضافة خمسة أفواج أخرى بعد نجاحها في عملية "سيندور" العسكرية ضد باكستان في أيار 2025، والتي أسفرت عن إسقاط خمس طائرات مقاتلة وتحطيم منصات إنذار بعيدة المدى داخل الأراضي الباكستانية.
وصف قائد القوات الجوية الهندية ما حدث بأنه "أطول مدى لضربة أرض–جو في تاريخ الهند"، فيما أكّد رئيس الوزراء ناريندرا مودي رمزية المنظومة من خلال زيارة ميدانية لبطارية نشطة بعد العمليات العسكرية.
ورغم أن الهند ستنشر عشر بطاريات فقط بعد اكتمال عمليات التسليم، يبقى العدد غير كافٍ لتأمين الحدود الممتدة عبر جبهتي باكستان والصين.
أما مشروع الدفاع الجوي المحلي "كوشا"، فلن يصبح جاهزًا قبل ثلاثينيات القرن الحالي، ما يجعل تعزيز أسطول إس-400 الخيار الوحيد على المدى القريب.
وتدرك واشنطن أن نجاح المنظومة الروسية قد يعزز توجه نيودلهي للابتعاد عن أنظمة الدفاع الأمريكية والغربية، لذا حذّرت مرارًا من أن أي شراء إضافي قد يؤدي إلى فرض عقوبات، كما حدث مع
تركيا والصين، لكن الهند تراهن على أن ثقلها الجيوسياسي سيجعل واشنطن تتردد في اتخاذ قرار عقابي شامل.
وتكشف المقارنات التقنية أن إس-400 تمنح الهند تفوقًا دفاعيًا واضحًا، بمدى اعتراض يصل إلى 400 كلم، وقدرة على تتبّع 160 هدفًا واعتراض 72 منها في وقت واحد خلال خمس دقائق، وهو أداء يفوق منظومة باتريوت الأمريكية بشكل ملحوظ.
كما تؤكد تقارير هندية مرونة المنظومة العالية ضد محاولات التشويش، وهو عنصر حاسم في أي مواجهة محتملة مع الصين.
وفي ظل سياق تُحدد فيه التفوق الجوي نتائج النزاعات، تعتبر نيودلهي منظومة إس-400 ركيزة دفاعية لا يمكن التخلي عنها، حتى لو أثار ذلك غضب
البيت الأبيض.
بُعد بحري جديد في التعاون الروسي-الهندي
بالتوازي مع ملف إس-400، أنهت موسكو ونيودلهي المفاوضات حول استئجار غواصة هجومية نووية بقيمة ملياري دولار.
وقالت مصادر لـ"آسيا تايمز" إن وفدًا هنديًا سيزور أحد أحواض التصنيع الروسية قبل استلام الغواصة خلال عامين، مع احتمال تأجيل التسليم بسبب تعقيدات المشروع، لتدخل الخدمة رسميًا عام 2028.
تمتلك الهند حاليًا 17 غواصة ديزل، لكن الغواصة النووية الجديدة تمثل إضافة نوعية، خصوصًا بقدرتها على البقاء مغمورة لفترات طويلة وصعوبة رصدها في الدوريات البعيدة، مع تصاعد التنافس العسكري في المحيطين الهندي والهادئ.
ورغم أن الغواصة ستكون للتدريب فقط وغير قابلة للاستخدام القتالي بموجب العقد، تُعد خطوة أساسية ضمن خطة الهند لبناء أسطول نووي هجومي محلي.
وتؤكد الصفقة أن نيودلهي لا تزال تعتبر موسكو شريكًا موثوقًا للمعدات العسكرية الحساسة، رغم توسع مشترياتها من الأسلحة الأميركية والأوروبية.
معضلة التوازن بين واشنطن وموسكو
تحرص الهند على "الاستقلالية الإستراتيجية"، من خلال شراكة دفاعية مع الولايات المتحدة لاحتواء الصين، وفي الوقت نفسه علاقات متجذرة مع روسيا تتيح لها الوصول لمعدات غير متاحة للغرباء.
لكن إدارة ترامب ضغطت على نيودلهي عبر رسوم جمركية تصل إلى 50% على صادراتها، مطالب بوقف شراء النفط الروسي، وتهديدات بعقوبات على الصفقات الدفاعية مع موسكو.
ورغم هذه الضغوط، يبدو أن نيودلهي حسمت موقفها: "الدفاع أولًا، والتحالفات لا تُفرض بالإملاءات". فبين تعزيز دفاعاتها الجوية وتحديث قوتها البحرية، تواجه الهند اختبارًا حقيقيًا لعلاقاتها مع واشنطن، قد يحدد مستقبل التوازن الاستراتيجي في آسيا وربما العالم.