يبدو أن ندرة المياه أصبحت تهدد المدن الكبرى في القرن الحادي والعشرين، كما أثبتت تجارب عدة حول العالم، فقد عانت مدن مثل كيب تاون وتشيناي من جفاف حاد في السنوات الأخيرة، بينما تواجه الآن
طهران، التي يقطنها حوالي 15 مليون نسمة، أزمة مياه تهدد استمرار الحياة فيها. ويضطر سكان العاصمة
الإيرانية إلى الانقطاع المتكرر عن المياه لتقنين الاستهلاك، وسط انخفاض حاد في هطول الأمطار بنسبة 96% عن المعدل الطبيعي، واستمرار الجفاف لمدة خمس سنوات.
تعود الأزمة الحالية جزئيًا إلى سياسات اقتصادية وزراعية سابقة، بما في ذلك الالتزام بالاكتفاء الذاتي الغذائي بعد
الثورة الإيرانية عام 1979، ما أدى إلى استنزاف المياه الجوفية والخزانات لري المحاصيل المائية. كما أن أسلوب الري بالغمر، الأكثر شيوعًا في
إيران، يسبب هدرًا هائلًا للمياه مقارنة بالري بالتنقيط الحديث.
وفي حين أن إيران تمتلك موارد مياه أكبر من بعض الدول المتقدمة مثل
ألمانيا وكوريا الجنوبية، إلا أن سوء إدارة الموارد والسياسات المقيدة للاستيراد حدّ من استفادتها الفعلية. وقد أقرّ
وزير الطاقة الإيراني مؤخرًا بأهمية استيراد "المياه الافتراضية" عبر استيراد المحاصيل من دول ذات معدلات هطول أعلى، كخطوة لإدارة الأزمة.
تسهم التغيرات المناخية في تعقيد الوضع؛ ففي الوقت الذي تعاني فيه إيران من الجفاف، تتعرض دول آسيوية أخرى مثل سريلانكا وفيتنام لفيضانات مدمرة. ويُعزى هذا التفاوت إلى تأثير الاحتباس الحراري، إذ أن تواتر الجفاف أصبح أسرع بكثير مما كان عليه في القرن الماضي، مع تحميل الدول المصدرة للنفط مثل إيران جزءًا من مسؤولية الأزمة.
وبالنظر إلى
المستقبل، تواجه المدن الكبرى في الدول النامية خطر "يوم الصفر" الذي ينضب فيه مصدر المياه الحيوية. الحلول المتاحة تشمل تحسين إدارة المياه، تخفيف القيود على استيراد الغذاء، الاستثمار في تقنيات الري الحديثة، واستغلال احتياطيات الطاقة لتقليل الهدر وتطوير أنظمة نقل المياه، إضافة إلى الانتقال للطاقة المتجددة للحد من الانبعاثات الكربونية.
إجمالًا، تشير الأزمة في طهران إلى هشاشة المدن الكبرى أمام ندرة المياه وتغير المناخ، وتوضح أن مستقبل الأمن المائي مرتبط ارتباطًا وثيقًا بسياسات إدارة الموارد الطبيعية والحد من البصمة الكربونية. (الشرق)