تصفّح بدون إعلانات واقرأ المقالات الحصرية
|
Advertisement

عربي-دولي

جهازان استخباريان ونتيجة واحدة… خلل بنيوي يفضح أمن إيران بعد الحرب

Lebanon 24
29-12-2025 | 12:38
A-
A+
Doc-P-1461406-639026339029546170.webp
Doc-P-1461406-639026339029546170.webp photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
بعد حرب الأيام الاثني عشر في حزيران 2025، لم يعد السؤال المركزي في طهران مقتصرًا على كيفية الرد على إسرائيل، بل تحوّل إلى سؤال أكثر خطورة: كيف نجحت تل أبيب أصلًا في تنفيذ الضربة؟ هذا التحوّل في زاوية النظر أعاد ملف الاختراقات الإسرائيلية إلى الواجهة، مدعومًا باعترافات نادرة من داخل المؤسسة الإيرانية نفسها، أبرزها ما صدر عن القائد السابق للقوة البحرية في الحرس الثوري حسين علائي، الذي أقرّ بأن ما جرى ليس حادثًا عابرًا، بل خللًا بنيويًا عميقًا في المنظومة الاستخباراتية.

رغم امتلاك إيران جهازين استخباريين كبيرين، وزارة الاستخبارات واستخبارات الحرس الثوري، كشفت الحرب أن تعدد الأجهزة لم يترجم قدرة أعلى على الإنذار المبكر أو منع الضربات الدقيقة.
 
ووفق تقارير غربية، شرعت طهران بعد وقف النار في تنفيذ ما يشبه "خطة ترميم" مزدوجة: تشديد القبضة الأمنية داخليًا لإغلاق أي منافذ اختراق محتملة، بالتوازي مع إجراءات تنظيمية وتقنية تهدف إلى تحسين قدرات مكافحة التجسس وحماية الأهداف الحساسة.
 
غير أن هذه الخطة، وفق خبراء، تحمل تناقضاتها الذاتية، إذ إن الإفراط في القمع يستهلك الموارد، فيما يعمّق التنافس بين الأجهزة الثقوب بدل سدّها، في مواجهة خصم يتمتع بمرونة وخبرة عالية كالموساد.

في المرحلة الأولى بعد الحرب، ركزت إيران على إظهار السيطرة داخليًا عبر موجة اعتقالات واسعة، شملت عشرات الآلاف وفق الأرقام الرسمية، بتهم تراوحت بين التجسس والتعاون والتصوير غير القانوني. وترافق ذلك مع تسريع المحاكمات وتنفيذ أحكام إعدام وتشديد تشريعي يرفع سقف العقوبات على أي نشاط يُشتبه بارتباطه بإسرائيل أو بقوى أجنبية.
 
إلا أن هذا "العلاج بالصدمة" لم يقترب من جوهر المشكلة، إذ إن الفجوة الحقيقية لا تكمن في عدد المعتقلين، بل في فشل المنظومة في كشف التخطيط قبل وقوعه، ومنع بناء شبكات قادرة على الرصد والتحديد والتنفيذ داخل العمق الإيراني.

المعضلة البنيوية الأبرز تتمثل في ازدواجية الجهازين الاستخباريين وتداخل صلاحياتهما. فهذا التصميم الذي أُنشئ تاريخيًا لضمان توازنات داخل النظام، تحوّل عمليًا إلى مصدر تنافس وتضارب وتكرار، ما خلق فراغات عملياتية استغلها الخصم.
 
تقارير غربية، بينها تقارير برلمانية بريطانية، تصف البيئة الاستخباراتية الإيرانية بأنها بيئة تنافسية غير منسجمة، تُستخدم فيها الأجهزة بقدر كبير لضبط الداخل وملاحقة المعارضين، أكثر مما تُسخّر لمواجهة خصم خارجي عالي الاحتراف.

من هنا، تبدو أي محاولة إيرانية لسد الفجوة مع إسرائيل محفوفة بالصعوبات. فبينما تسعى طهران لإعادة تركيز جهودها على إسرائيل، تعمل ضمن بنية تكافئ الولاء السياسي وتراكم النفوذ المؤسسي، لا التخصص والكفاءة والتكامل الاستخباري. وقد طرح علائي نفسه مقاربة مختلفة، تقضي بتفرغ إحدى المؤسستين حصريًا لمواجهة إسرائيل، بدل انشغالهما المتوازي بأمن الداخل وخصم خارجي معقد.

لكن ما جرى بعد الحرب أظهر العكس: انكفاء واسع نحو الداخل، نشر حواجز وقوات، وتوسيع دائرة الاشتباه، بدافع الخوف من اضطرابات داخلية وشبكات اختراق. هذا التوجه، بحسب خبراء، يترك ثلاثة آثار سلبية مباشرة: استنزاف الموارد البشرية والمالية بعيدًا عن مكافحة التجسس الاحترافية، تعميق مناخ الشك والتخوين داخل المؤسسات بما يضعف التنسيق، وخلق ضوضاء معلوماتية تجعل التقاط الإشارات الحقيقية أكثر صعوبة.

لهذا يرجّح مراقبون أن تنجح إيران جزئيًا في تعطيل بعض الشبكات بسرعة في أي مواجهة مقبلة، لكنها ستبقى عاجزة عن بناء منظومة متماسكة تشمل أمن الاتصالات، حماية الشخصيات، التدقيق الداخلي، والتكامل بين الاستخبارات البشرية والإشارات والدفاع السيبراني، وهي العناصر التي تصنع الفارق الحقيقي في هذا النوع من الحروب.

في المقابل، تشير المعطيات إلى أن إسرائيل ستواصل الاستثمار في ميزة الاختراق، بعدما ثبتت فعاليتها خلال الحرب. وتظهر التجربة الأخيرة أن نقاط الضعف الإيرانية شملت سهولة الرصد الميداني، مرونة تشغيل الخلايا داخل المدن، واختلال أنماط الإقامة والتنقل، وهو ما أشار إليه علائي بوضوح حين تحدث عن خطأ تجميع أهداف حساسة في موقع واحد.

الخلاصة التي خرجت بها طهران من حرب الأيام الاثني عشر يمكن اختصارها بجملة واحدة: امتلاك جهازين لا يكفي إذا كانا يعملان بعقيدة واحدة عنوانها أولوية أمن الداخل. لذلك، يُتوقع أن تواصل إيران السير في مسارين متوازيين: تشديد الردع الداخلي عبر القوانين والمحاكمات، ومحاولة إعادة توزيع الأدوار وتحسين أمن الشخصيات والاتصالات. غير أن نجاح هذا المسار سيبقى محدودًا طالما ظلت الازدواجية أداة نفوذ لا أداة كفاءة، وطالما بقي ضبط المجتمع يتقدم على سدّ الثغرات في مواجهة العدو الخارجي.
 
(إرام نيوز)
Advertisement
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك