Advertisement

عربي-دولي

"عمران" يعيد صورة طفلة عارية مذهولة.. وهذا ما سيقوله حين يكبر

Lebanon 24
27-08-2016 | 06:54
A-
A+
Doc-P-196531-6367054232123075701280x960.jpg
Doc-P-196531-6367054232123075701280x960.jpg photos 0
PGB-196531-6367054232127079581280x960.jpg
PGB-196531-6367054232127079581280x960.jpg Photos
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
بعد الجدل حول انتشار صورة الطفل السوري عمران دقنيش، تخيّل الكاتب الصحافي يسري فوده ماذا سيقول "عمران" بعد عشرين سنة من اليوم. وقال: صباح الجمعة، التاسع من حزيران 1972، هرول كبير موظفي البيت الأبيض وفي يده نسخة من صحيفة "نيويورك تايمز" إلى الرئيس الأميركي آنذاك ريتشارد نيكسون. نظر هذا إلى الصحيفة فلم ير شيئًا غير عادي على صدرها، لكنّ مغناطيسًا جذبه إلى أسفلها الأيسر.. إلى أبعد نقطة من أسفلها الأيسر حيث صورة صادمة لطفلة عارية آسيوية الملامح تهرع لحياتها بين وجوه أخرى مذعورة. لابد أن بصره زاغ سريعًا إلى التعليق المكتوب أسفلها ثم إلى العنوان المكتوب فوقها: "طائرات B-52 تقصف فييتنام الشمالية للمرة الأولى خلال سبعة أسابيع". ولا بد أن بصره عاد سريعًا مرة أخرى إلى الصورة كي يتمعّن في التفاصيل. "هل قام أحدهم بتركيب هذه الصورة؟" كان هذا التساؤل - الذي سُرّب بعد ذلك في شريط صوتي - رد فعل رئيس مثخن عندئذٍ بجراح من صنع يديه. هكذا يفكر دائمًا الهاربون من إدانة الضمير ومن الإحساس بالذنب ومن ضياع المصالح عن طريق إنكار الواقع. لكنها دائمًا إحدى آليات "الدفاع عن الذات" التي لا تصمد طويلًا، وهذا من لطف الله بالبشر. أما الصورة فهي للطفلة الفييتنامية "كيم فوك" بعد هجوم بالنابالم على قريتها، قيل إنه "نيران صديقة". عندما أبرقت وكالة أنباء "أسوشييتد برس" بهذه الصورة التي التقطها مصورها "نيك أوت"، اجتمعت هيئة التحرير في الصحيفة الأميركية الكبرى ودار جدل كبير من نوع الجدل الذي لا يزال موجودًا في غرف الأخبار حتى اليوم. هل يصح أن ننشر صورة لطفلة لم تتعد التاسعة لم يستأذنها أحد؟ هل يصح أن ننشر صورتها عارية؟ هل يصح أن ننشر صورتها في لحظة ذعر؟ هل يصح أن ننشر صورتها في موقف قد "يحط من كرامة الإنسان"؟ ماذا يمكن أن يكون موقفها بين الناس حين تكبر؟ هذه كلها أسئلة مشروعة تثبت مدى صعوبة التعامل مع خيارات تحريرية من هذا النوع. لكنّ الرأي اجتمع في النهاية على ضرورة نشر الصورة كي يقف العالم على حقيقة ما يحدث. انتشرت الصورة بعد ذلك انتشار النار في الهشيم وحصلت على جائزة بوليتزر، أرفع جائزة صحافية في العالم. من بين هذه الأسئلة المشروعة كلها، يقفز أمامنا السؤال الأخير: ماذا يمكن أن يكون موقفها بين الناس حين تكبر؟ هذا سؤال يبدو أخلاقيًّا إلى أبعد حد، لكنه في الوقت نفسه يمكن أن يكون ديكتاتوريًّا إلى أبعد حد. وأمامه يبرز سؤال آخر مشروع: من يملك حق الحديث باسم طفل لا يستطيع اتخاذ قرار في أمر ما؟ السؤال موجه للطرفين: المؤيد والمعارض؛ فحجة التبرير لدى أي منهما تنطلق دائمًا من منظور شخصي، وأحيانًا تقف وراءها دوافع سياسية. لسوء الحظ، لا تأتينا إجابة من صاحب الشأن نفسه إذا كانت الصورة لضحية فقدت حياتها أو اختفت في غياهب الحياة. ولحسن الحظ، كبرت "كيم فوك" وقدمت لنا إجابة يمكن أن تساعدنا في هذا الجدل، ويمكن أن تقطع الطريق على من يحاول الحديث باسم من لا يستطيع الحديث، سواءٌ عن حسن نية أو عن سوء نية. لم تكتف الطفلة حين كبرت بشكر من التقط الصورة ومن نشرها فحسب، بل إنها ساهمت أيضًا في حسم جدلية مهنية تحريرية حول مدى وجوب الانتصار لنقل الواقع كما هو، وانتقدت الرئيس الأميركي لتشكيكه في صدقية الصورة: "هذه الصورة حقيقية كحقيقة الحرب في فييتنام. ولم يكن أحد في حاجة إلى تركيب صورة لي لتوثيق أهوال الحرب". ماذا إذًا سيقول الطفل السوري، "عمران دقنيش"، حين يكبر؟ ربما يتفق موقفه مع موقف "كيم فوك"، وربما يلعننا جميعًا، وربما يتفق بتحفظ. هذه هي الاحتمالات الثلاثة المتاحة. ورغم أنني أرجح الاحتمال الأول فلا بد من محاولة فهم الأسباب، لأن هذه تختلف من حالة إلى أخرى. أولًا: الأصل في التصوير الصحفي - مثلما هو الأصل في الإعلام بشكل عام - هو أن كل شيء متاح للتصوير في المجال العام مادمت لم تخترق خصوصية أحد في منزله أو محل عمله، وما دمت تلتزم بالقانون و الأخلاق العامة. و حتى هذه لها استثناءات مبررة في بعض الحالات. ثانيًا: بافتراض حسن النية، يوثق المصور الحدث بأكبر قدر ممكن من الدقة، بشرط ألا تغلب نظرتُه الفنية نظرتَه الصحفية. وبافتراض حسن النية، يختار رئيس التحرير من بين الصور ما يرى أنه يعكس الواقع، بشرط ألا يستخدمها في غير سياقها الذي وردت فيه. ثالثًا: لا يسجل تاريخ الصورة الصحافية علاقة إيجابية بالضرورة بين "كم" الدم والبشاعة، من ناحية، ومدى تأثير الصورة في الناس، من ناحية أخرى. هناك أسباب أخرى لهذا يعرفها المصور المحترف ويدركها رئيس التحرير الذكي. رابعًا: بافتراض حسن النية مرةً أخرى، يضع المصور ورئيس التحرير نفسيهما - وهما بشر يخطئ ويصيب على أية حال - في موضع "الضحية". وعليك أنت أيضًا أن تفعل الشيئ نفسه. هذا هو السؤال الفاصل: لو كنت أنت "عمران" هل كنت توافق على نشر صورتك بهذا الشكل؟ "كنت في المنزل مع أمي و أبي و إخوتي، ثم فجأة لم أر شيئًا. سمعت انفجارًا قويًّا لم أر بعده شيئًا ولم أشعر بشيء. فجأة، ظلام دامس وتراب.. تراب كثير ولا أدري ما حدث. لا أدري كم مر عليّ من الوقت لكنني حين أفقت لم أجد أمي ولا أبي ولا إخوتي. وجدت فقط مكانًا ضيقًا.. ضيقًا جدًا، لا أدري لماذا، ولا لماذا كل هذه الأحجار التي تحيط بي. بينما أنا هكذا سمعت أصواتًا مختلطة تأتيني من مكان ما.. من فوقي. أميييي.. أبيييي.. صرخت، لكنّ أحدًا لم يرد. ثم فجأة تسلل شعاع من ضوء بين الأحجار وسمعت جلبة كبيرة انفتحت بعدها الدنيا وحملني رجل إلى سيارة إسعاف وسط تهليلات وأنوار كثيرة وتلفزيونات". هكذا أتخيل عمران الآن. وهكذا أتخيله بعد عشرين سنة: "الحمد لله، لولا ذلك الرجل الذي انتشلني من بين الأنقاض، ولولا ذلك المسعف الذي هرول بي إلى المستشفى لربما كنت من وقتها عظامًا تحت التراب. و لولا ذلك المصور لما وصلت قصتي إلى العالم. ولولا الذين رأوا في وجهي مأساة إنسانية بعيدًا عن أي اعتبار آخر لما التفت الجهلاء إلى الجرائم. لا شيء يمكن أن يغير الماضي، لكنني بعد هذه السنوات كلها تعلمت أن فطرة الحق غلّابة دائمًا، و أن الحق لا يحتاج إلى كثير من الكلمات، وأن العدل أقوى من الانتقام، وأن الصفح يكتب للإنسان حياةً جديدة". (يسري فوده – Dw)
Advertisement
مواضيع ذات صلة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك