Advertisement

خاص

ما بعد "داعش": ذئابٌ وعرائسٌ وتحديات أمنية وسياسية

احمد الزعبي

|
Lebanon 24
22-02-2019 | 03:21
A-
A+
Doc-P-559056-636864278831161327.jpg
Doc-P-559056-636864278831161327.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger

كَثُرت التقارير والمواقف والتصريحات الدولية المبشّرة بسقوط وشيك لتنظيم "داعش"، من خلال نجاح التحالف الدولي في الانتصار عليه واجتثاث خرافة "دولة البغدادي"، بعد أربع سنوات ونيف (حزيران 2014) على ظهوره الملتبس والغامض غموضَ الجهات التي أنتجتها، والمهمات التي أوكلت إليها، زيادة على ما شاهده العالم من ممارسات وحشية ودموية، هدفت أولاً، إلى تشويه صورة الإسلام وأذية المسلمين حول العالم، وأسست لمناخ إعلامي عالمي ضاغط ضد العرب والمسلمين، وسوء فهم وانتشار ظواهر الكراهية وُهاب"الاسلاموفوبيا" في معظم بقاع الأرض.

من الدرب الأحمر إلى الفلبين.. وما بينهما

وبموازاة الاحتضار الذي يشكّل النزع الأخير للتنظيم الارهابي، بهيكليته الأولى (2014 – 2019)، ثمة تحديات ومخاوف من تجدد ظهوره بصيغ وأشكال مختلفة، على شكل خلايا كامنة أو عبر عمليات ما يعرف بـ "الذئاب المنفردة"، وآخرها التفجير الانتحاري في منطقة الدرب الأحمر، قرب الجامع الأزهر في القاهرة التي سقط فيها رجال أمن مصريين لحظة محاولتهم توقيف الإرهابي الذي تبين أنه مصري، سبق أن عاش في أميركا قبل أن يرحّل إلى فرنسا ومنها إلى مصر.وقبل ذلك اعتداءات مشابهة في مدن أوروبية رئيسية آخرها في ستراسبورغ نهاية العام 2018، وقبله حوادث عدّة في الولايات المتحدة وصولاً إلى تفجير كاتدرائية في الفلبين في كانون الثاني الماضي، في وقت بدأت تطرح إشكاليات "العائدين" من دولة البغدادي، على غرار ما حصل في العالم العربي بعد انتهاء حرب أفغانستان في تسعينيات القرن الماضي، وسط مطالبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الدول الأوروبية بضرورة استعادة مواطنيها الذين تورطوا بالقتال إلى جانب "داعش" وتمنّع الدول المعنية من المجازفة باستعادتهم. فبحسب معلومات كشف عنها موقع "ذا إنسايدر" هناك عدد كبير من النساء، باتوا يعرفن باسم "عرائس داعش"، اللواتي هربن من بلداهن وانضممن إلى التنظيم، خصوصاً من أميركا وكندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، ويقيم معظهنّ في مخيم "الهول" للاجئين، وهنّ يستنجدن حالياً للعودة مع أطفالهن إلى أوطانهن، لكن هذا الأمر يعني، عند الدول المعنية، يستبطن مخاطر وإشكاليات ومخاوف وتعقيدات أمنية وقانونية وإنسانية وحقوقية (لها حديث آخر).

بداية مشبوهة

في العام 2014، فاجأ التنظيم الأسود العالم، بسيطرته على مساحات واسعة من العراق وسوريا، وبخطاب وممارسات تنتمي إلى عصر آخر، وتعاكس التاريخ والعصر والعالم، مستنداً إلى مجموعة عوامل، كانكفاء "القاعدة" بعد اشتداد الضربات الدولية ضدها، واستفحال السياسات الطائفية في ممارسات حكومات المالكي في بغداد، وتغييب مكون رئيسي من الشعب العراقي عن الحكم، وانتهاج سياسات التشفي ضده، وتصدع الدولة السورية، وفوق كل ذلك من تسهيلات تركية حدودية أتاحت لجحافل الداعشيين الانتقال بيسر وسهولة إلى "دولة البغدادي".. هكذا استفاد التنظيم من تقاطعات سياسية واستراتيجية، ومن فضاء الانترنت المفتوح وآبار النفط المتروكة، وراح يعيث فساداً في الأرض، قتلاً ونهباً وتدميراً للتراث الانساني والتاريخ العراقي والسوري... تحت سمع العالم وبصره.

لأزمة لن تكون قصيرة، سيسجل التاريخ فظائع وعنف ما عاينه العالم من مشاهد مهولة ارتكبتها عصابات الوافدين من أصقاع الأرض، سواء أكان مغرراً بهم أم مقتنعين بما يفعلون، جاؤوا من الصين وأوزبكستان وطاجيكستان وداغستان وتركمانستان والشيشان، ومن تونس وليبيا والجزائر ومصر والمغرب، ومن فرنسا واسبانيا وبريطانيا وهولندا والدنمارك وبلجيكا، ومن أميركا وكندا وغيرها؛ قطعٌ للرؤوس، ونحرٌ وإحراق وإغراق وتفجير.. كلّه أمام الكاميرات بإخراج متقن ووفق أحدث ما ابتكرته تكنولوجيا عالم الاتصالات والإعلام الرقمي في عمليات الاستدراج والتجنيد والحرب النفسية... وهو ما استدعى تشكيل تحالف دوليفي أيلول 2014 بقيادة الولايات المتحدة لمحاربته. 

تحديات مستقبلية

في تموز 2017 تحررت الموصل، واليوم تفيد آخر التقارير بأن ما تبقى ما مقاتلي التنظيم الارهابي يتحصنون في جيب وحيد في منطقة الباغوز بمحافظة دير الزور شرق سوريا، لكن كل المؤشرات تؤكد أنه مع الإعلان عن نهاية التنظيم بشكله المعلن، ستبدأ مرحلة قد تكون أصعب وتتمثل باحتمال ظهور ما يمكن تسميته "داعش – 2"، في ظل أسئلة كبيرة وتحديات صعبة على على غرار مسألة نساء التنظيم وأولادهن، ومن أبرز هذه التحديات:

على المستوى العراقي: لماذا لم يعد النازحون وعددهم يقارب المليون إلى مدنهم وقراهم في الأنبار ونينوى وكركوك، ولماذا لم تنطلق ورشة إعادة إعمار المدن التي دمرها "داعش"، ولماذا لم تتحرك السلطة المركزية والأمم المتحدة لحماية المدنيين من انتقام خلايا التنظيم أو ممارسات الميليشيات الطائفية وتأمين ظروف الحياة والبنى التحتية، والأهم من كل ذلك هل ستتم معالجة الأسباب التي أدت إلى الإسهام في نشوء "داعش" ومن قبله جماعة الزرقاوي، أي التهميش السياسي للسنة العراقيين، وهي الثغرة الرئيسية التي تتسلل منها جماعات العنف لتضليل الرأي العام، وذلك من خلال تفعيل العملية السياسية بشكل عادل ومتوازن، أم ستستمر سياسات الإقصاء والتنكيل والاستبعاد فتكون ذريعة لظهور نسخ متطرفة أخرى قد تكون أكثر تشدداً؟

على المستوى السوري: ومع رجاحة فرضية أن "داعش" لعبت دوراً مرسوماً لها في المشهد السوري كرّاً وفرّاً في سياق الصراع القائم منذ العام 2011، فإن التحديات قد تبدو هي نفسها التي سبق ذكرها على المستوى العراقي، مع وجود سياسات طائفية وانقسامات مجتمعية كبيرة.

على مستوى الأمن العالمي: مع صعوبة الحسم بانتفاء وجود بقايا للتنظيم عن سوريا والعراق، ووفق كل التقديرات الأمنية، لا يزال "داعش"، ولو بتسميات أخرى، يملك حضوراً خطيراً في مناطق مهمة كجنوب اليمن وسيناء في مصر وفي ليبيا، وله وجود أيضاً في تركيا واستراليا وبلدان أوروبية عدة من خلال الخلايا التي تعرف باسم "الذئاب المنفردة" التي تملك القدرة على إيصال الرسائل الدموية وضرب الاستقرار، إذ من المعلوم أن "داعش" وملحقاته، طوّر أساليبه الأمنية ووسع أهدافه، تقنياً وتخطيطاً وتوقعات أو التفافاً على التوقعات، لأنه يعتبر نفسه في سباق مع أجهزة الأمن والاستخبارات العالمية، وهو استطاع الضرب والتفجير خارج رقعته الجغرافية في دول استقرارها أصلاً مهزوز، وفي دول مستقرة أو من الأعلى استقراراً حول العالم من دون أن تفلح معه السياسات والإجراءات الاستباقية أو الوقائية، وكل ذلك يفرض مقاربة أمنية واعية لمتابعة مرحلة ما بعد إنهاء التنظيم من خلال استراتيجية متكاملة للرصد والتتبع والتعامل مع المخاطر الكامنة. كذلك فإن تدفق آلاف السوريين إلى أوروبا وشمال أميركا بصفة لاجئين، من دون التدقيق بصدقية هذا الأمر، يبقي احتمال وجود متطرفين بينهم. 

مشكلة أخرى تتمثل باستمرار التحيز الدولي ضد قضايا العرب والمسلمين، من فلسطين إلى بورما فتيمور الشرقية، وهي عناوين استخدمتها كل التنظيمات المتطرفة لتبرير خطاب انفصاصلها عن العالم، وتبرير استخدام العنف ضد المجتمعات الأهلية والدول الوطنية، وضدّ المصالح العالمية.

على المستوى الفكري: لا مناص أمام الدول الاسلامية والعربية من اعتماد معالجات مجتمعية وفكرية وتنموية وإصلاحية في هذه الحرب التي تستعصي على الفهم والتصور لجماعات تدّعي الانتماء للإسلام وتسببت بأبشع الكوارث والمصائب للمسلمين، قتلاً وتفجيراً وتهجيراً وترويعاً، واعتداء على الأنفس والمصالح وعلى الدين نفسه، خصوصاً وأن الارهاب باسم الدين فتحَ أبواباً واسعة لاختراق المجتمعات العربية وشرّعها أمام كل جهّة تحت ذريعة مكافحة هذه الآفة، وأوقع الجاليات العربية والاسلامية حول العالم تحت نار الكراهية والاسلاموفوبيا.

اللغز الأخير

وكما طرح السؤال - الإشكالية قبل أربع سنوات عن طريقة دخولهم عشرات آلاف المقاتلين وعائلاتهم بيسر وسهولة إلى مناطق سيطرة "داعش"، فإنه وبعد انهيار بنيته العسكرية وتفكيك دولته المزعومة، فإن السؤال يطرح وبقوة حول مصير من تبقى منهم وهم بالآلاف، أكثر من نصفهم أجانب من غير العراقيين أو السوريين، وهؤلاء يشكلون تهديداً حقيقياً في حال "تبخرهم" من جغرافيا التنظيم، سواء عادوا إلى بلدانهم أو انتقلوا إلى ساحات أخرى.

ستنتهي "داعش" وستنفضح خدعة أرض الخلافة والأحلام المزعومة، لكن ذلك لا يلغي، ولا يجب أن يلغي، أهمية التفكير العميق بالسؤال الأكثر إلحاحاً هو هل ستتكشف، يوماً ما، حقيقة هذا تنظيم "داعش"كاملة؛ من أنشأه، ولأي غاية، ومن موّله وأشرف على تسليحه، من هندسَ منظومته الإعلامية والأمنية والمالية، ومن سهّل وصول آلاف المرتزقة إلى رقعته الجغرافية؟

Advertisement
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك