Advertisement

خاص

الهويات القاتلة بين مجزرة مسجدي نيوزيلندا وسقطة "اعتداء مسلح"

احمد الزعبي

|
Lebanon 24
17-03-2019 | 05:35
A-
A+
Doc-P-566934-636884234155683204.png
Doc-P-566934-636884234155683204.png photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
لا تُسعفُ المخيلةُ بإيجاد عباراتٍ تصفُ الجريمةَ الإرهابيةَ التي استهدفت مصلين آمنين في مسجدين في نيوزيلندا، أو ذلك العقل المهووس الذي قتل خمسين شخصاً تتراوح أعمارهم  بين 3 و77 سنة ومثلهم جرحى في لحظة صلاة في يوم جمعة.. أغلبُ الظنِّ أن إبليسَ نفسه لا يفعل، لكن المتطرف الاسترالي "برنتون تارنت" فَعَل.
Advertisement

دَع عنكَ الإعلام الذي لبس فجأة ثوب الطهارة والإنسانية المزيفة متحدثا ًعن "اعتداء من مسلح" أو النائب الاسترالي "فريزر نينغ" الذي انبرى مباشرة للدفاع عن المجرم بدوافع عنصرية، الحقيقة أنه عمل إرهابي كامل أوصاف الدناءة والحقد والكراهية واحتقار القيم الإنسانية والخروج على كل الاعتبارات والتعاليم الدينية والأخلاقية والقانونية ... لا جدال في ذلك، إنما السؤال المشروع هو عن أسباب تنامي ظواهر الكراهية ورُهاب الإسلاموفوبيا في الغرب وتحولها إلى جرائم باتت تكرارها يثير مخاوف وهواجس.

لماذا تميل بعض التيارات الغربية تباعاً نحو اليمينية والشعبوية والتشدد والانغلاق والانعزالية، مناقضة منظومة القيم التي ارتضاها الغرب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية والقائمة على حقوق الانسان وتقديس الحريات والليبرالية الاقتصادية؟ وماذا يعني أن يتحول التحريض على المسلمين في الغرب بسبب دينهم بحجة جنون بعض المجرمين المسلمين، إلى دعاية انتخابية لأحزاب اليمين في أوروبا؟ وكيف يصل رؤساء وأحزاب إلى الحكم بدفع من موجات الشعبوية والعنصرية والفئوية والتخويف من الإسلاموفوبيا؟

في حالة أميركا – ترامب مثلاً (ومرتكب جريمة المسجدين عبّر عن اعجابه بترامب "رمز الهوية البيضاء")، الواضح أن الهوية الوطنية تمثل الهاجس الأول، والهوية عنده تعني عدم التساوي مع "الآخر" مع ما يعنيه ذلك من انغلاق واصطناع مخاوف والارتداد نحو الداخل، سياسياً واقتصادياً، وهو ما عكسته القرارات التنفيذية الأولى للرئيس الأميركي بعيد انتخابه كإعادة النظر في الاتفاقيات التجارية مثل "نافتا" و"منظمة التجارة العالمية"، ومن ثم تشجيع بريطانيا على استكمال خطوات خروجها من الاتحاد الأوروبي، وتهديده الشركات الأميركية التي تصنّع في الخارج بفرض ضرائب باهظة، والأخطر من ذلك كلّه قرارات حظر الدخول إلى أميركا والتي، للمفارقة، لم تشمل أشخاصاً أو كيانات، بل دولاً وأدياناً وشعوباً ما جعل كل فرد منها "إرهابياً"؟ وما يصح على أميركا ينسحب أيضاً على الحالة الأوروبية مع توسّع دائرة وصول أحزاب من أقصى اليمين إلى السلطة محمولة على شعارات عنصرية والخوف من الاسلاموفوبيا.

في حالة الإرهابي "تارنت" لا قيمة للكتابات والعبارات والتواريخ التي خطّها قبيل تنفيذ جريمته، ربما هي لحرف الأنظار أو التمويه أو غير ذلك، وأغلب الظن أنه جزء من تنظيمات أو تيارات أكبر تعبّر عن حقدها بتصرفات تمزج بين الهوية المتخيلة والفانتازيا حيث تقترف جريمتها وتصورها وتبثها في أوسع نطاق! يلجأ هؤلاء عادة إلى استهداف المدنيين أو الأهداف "السهلة" لكن الموجعة، لإحداث أكبر صدمة وتأثير ورعب، هي تماماً استراتيجية سيّء الذكر "داعش".

ماذا في الأبعاد الأمنية والاستراتيجية والمجتمعية لما حصل، ماذا عن الأسباب والأهداف، ثم ماذا عن المستقبل؟ تلك هي المسألة التي تحتاج استنفار جهود دولية تماماً كما حصل في مواجهة "داعش"، لتأكيد الإصرار على جدية المعركة بشقها الأمني والفكري والثقافي والديني، للحدّ من القتل العشوائي واستنزاف الأرواح والطاقات والإمعان في تشويه الأديان وأذية المجتمعات.

الانتصار للحرية والديموقراطية والتنوع وحقوق الانسان، انتصار للأديان وللإنسان، للتاريخ وللحضارة، للانفتاح والقيم. فالحقد والعنصرية لم ولن تكون بديلاً عن الحوار والتعايش وقبول الآخر، والأصوليات والتشدد والارهاب لا تنتمي لدين أو قومية أو عرق أو لون بقدر ما تعني من يتورط في أتونها. هل يكفي رفع شعار الخوف على الهويات الدينية أو الوطنية لتبرير منطق القتل والانعزال أو عدم التساوي مع "الآخر"؟ لا يكفي.. فاصطناع المخاوف وتكريس الانغلاق والارتداد نحو الداخل لم يكن يوماً بديلاً مقبولاً عن الحوار والتفاعل ومشاركة التحديات في عالم يضيق تباعاً بساكنيه وكاد يتحول قرية صغيرة.
المصدر: لبنان 24
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك