بانتظار الهجوم الروسي الكبير المرتقب على شرق أوكرانيا يتساءل الخبراء أي سيناريو ستواجهه موسكو نتيجة العملية العسكرية التي قامت بها، ويضعون نصب أعينهم مثالين في التاريخ، الأول عندما غزا الاتحاد السوفياتي تشيكوسلوفاكيا في 1968 وخرج عملياً أقوى، والآخر، عندما غزا أفغانتسان وأطلق ذلك سلسلة أحداث أدت إلى تفكك جمهورياته.
لا تزال الحرب الروسية في أوكرانيا مستمرة دون تحقيق مكاسب واضحة لموسكو بعد أسابيع من انطلاقها، إلا أن الخسائر باتت أكثر وضوحاً.
تلك الخسائر قد تفضي في نهاية المطاف، وفقاً للباحث الأميركي دان نيجريا، إلى تفكك روسيا بتصاعد مطالب بالاستقلال من جانب الجمهوريات المكونة للاتحاد الروسي، في تكرار لسيناريو تفكك الاتحاد السوفياتي.
العدوان الثلاثي
ويضيف نيجريا، زميل مركز سكوكروفت للاستراتيجيات والأمن التابع للمجلس الأطلسي، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست، أن غزو روسيا المشؤوم لأوكرانيا يعيد إلى الأذهان الحملة ضد السويس (ما يطلق عليه العدوان الثلاثي في مصر) من جانب بريطانيا وفرنسا وإسرائيل في عام 1956 وكان تراجع بريطانيا وفرنسا المهين بمنزلة نهاية لوضعهما كقوى من الدرجة الأولى وبداية فترة مضطربة من الأزمات السياسية وفقدان الأراضي لمصلحة حركات الاستقلال.
ويضيف نيجريا الذي عمل سابقاً بمكتب التخطيط السياسي بوزارة الخارجية الأميركية، أن التاريخ قد يعيد نفسه، حيث تواجه روسيا فشلاً في محاولتها لاحتلال أوكرانيا. وفي خضم هذه العملية، تتكبد موسكو خسائر فادحة في القدرة العسكرية والقوة الاقتصادية والموقف الدولي.
من الواضح الآن أن روسيا ليست قوة عظمى في مصاف الولايات المتحدة والصين. وتدخل فترة من الاضطرابات السياسية التي من المرجح أن تشمل مطالب بالاستقلال من جانب الجمهوريات المكونة لها تؤدي إلى تفكك الاتحاد الروسي على غرار ما شهده الاتحاد السوفياتي من قبل.
وفي عام 1956، بدت بريطانيا وفرنسا تتمتعان بالقوة. وكانتا منتصرتين مؤخراً في الحرب العالمية الثانية وقوتين أوروبيتين مهيمنتين، وعضوين دائمين في مجلس الأمن الدولي وحكمتا إمبراطوريتين استعماريتين شاسعتين. وقد شعرتا بالقوة الكافية لغزو مصر لمنع الرئيس جمال عبدالناصر من تأميم قناة السويس، لكن بعد ذلك اعترضت القوى العظمى الحقيقية في ذلك الوقت، إذ هددت الولايات المتحدة بعقوبات اقتصادية، وهدد الاتحاد السوفياتي بانتقام عسكري، واضطرت بريطانيا وفرنسا إلى التراجع المهين.
واتُهم رئيس الوزراء البريطاني آنذاك أنتوني إيدن بالكذب على مجلس العموم وأجبر على الاستقالة. وبعد أن شعرت المستعمرات البريطانية بالضعف، زادت من ضغطها من أجل الاستقلال. وسقطت الملكية العراقية الموالية لبريطانيا في عام 1958 وأصبحت قبرص ومالطا مستقلتين بعد ذلك بوقت قصير. وبحلول عام 1967، استقلت أكثر من عشرين من الأراضي الخاضعة لبريطانيا.
وكانت الأزمة في فرنسا أكثر سوءاً. وجاء الانسحاب من السويس بعد عامين من استسلام الحامية الفرنسية في ديان بيان فو للفيتناميين الشماليين وعزا بعض الضباط العسكريين هذه الهزائم إلى طبقة سياسية لا تملك من القوة شيئا.
وفي عام 1958، قامت مجموعة من الضباط العسكريين والمسؤولين الاستعماريين بانقلاب في الجزائر، وانهارت الجمهورية الرابعة، وتولى شارل ديغول السلطة رئيساً للجمهورية الخامسة.
وفاز الجزائريون بحرب الاستقلال الطويلة في عام 1962 وفر 900 ألف أوروبي جزائري إلى فرنسا خوفا من الانتقام.
واكتسبت حركات الحرية قوة في جميع أنحاء المستعمرات الفرنسية.
تجاوز مكلف
ويقول نيجريا، إن الحرب الروسية - الأوكرانية التي شنها فلاديمير بوتين تعتبر بمنزلة تجاوز، وسوف تجبر موسكو على الاعتراف بحدودها ومكانتها المتضائلة. ومن المرجح أن تواجه مطالب متجددة بالاستقلال من الجمهوريات والأقاليم المكونة لها.
ويضيف أن العالم كله يشهد عجز الجيش الروسي عن استعراض قوته حتى في بلد مجاور بثلث حجمه. ويتراجع الاقتصاد الروسي تحت وطأة تكلفة الحرب والعقوبات، حيث يتجه التضخم نحو 20 في المئة، وسينكمش الاقتصاد بنسبة 10 في المئة هذا العام، ولا تعمل البورصة الروسية وانخفضت الأسهم الروسية المتداولة في لندن بأكثر من 90 في المئة.
وسيزداد تأثير العقوبات القاسية جداً والشاملة المفروضة على روسيا من معظم القوى الاقتصادية الكبرى في العالم مع مرور الوقت.