Advertisement

عربي-دولي

أوروبا تقرع ناقوس الخطر... أيام متجمدة بانتظارها

Lebanon 24
30-09-2022 | 00:01
A-
A+
Doc-P-995657-638001185376560025.jpg
Doc-P-995657-638001185376560025.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
مع تقلص إمدادات الغاز الروسي لأوروبا، بما يتضمن انقطاعها تماما عن بعض الدول، تتهيأ القارة العجوز لشتاء قارس، بينما تسابق الزمن للبحث عن مصادر بديلة للطاقة من شركائها. في هذا السياق، تناقش "سوزي دِنِسون"، الزميلة الأولى في قسم السياسات بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ومديرة برنامج الطاقة الأوروبية في المجلس، في تحليل نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، مستقبل أوروبا في حال استغنائها عن الطاقة الروسية، كما تقترح الباحثة منهجية بديلة يمكن لدول الاتحاد الأوروبي التحول من خلالها إلى الطاقة النظيفة بوتيرة أسرع، بما يدعم الثقة في المشروع السياسي الأوروبي.
Advertisement

مع اقتراب الصيف في أوروبا من نهايته، تواجه بلدان الاتحاد الأوروبي كلها تقريبا كارثة في قطاع الطاقة بشكل ما. ففي أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، انضم الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة وغيرها من البلدان في فرض قرارات الحظر والعقوبات على قطاع الغاز الطبيعي الروسي، رغم أن الكثير من دول الاتحاد تعتمد على واردات الطاقة الروسية. واقترنت هذه التدابير بارتفاع صاروخي للأسعار، مما تسبب في ارتفاع حاد في تكاليف المعيشة للكثير من الأوروبيين. وقد سعى عدد من الحكومات الأوروبية بالفعل إلى ترشيد استهلاك الطاقة، عن طريق تقييد استخدام المكيفات في المرافق العامة مثلا، وكذلك إلزام المحلات بإغلاق أضوائها أثناء الليل. بيد أن الكارثة ستزداد سوءا من الآن فصاعدا، حيث تتهافت الحكومات من أجل الاستعداد لشتاء سيكون شديد القسوة.


يُركِّز صُنَّاع السياسات في شتى أنحاء الاتحاد الأوروبي اليوم على حشد المؤن اللازمة لتلبية الاحتياجات القومية. فقد أبرمت دول الاتحاد اتفاقات ثنائية لتأمين الطاقة من مورِّدين بُدلاء للطاقة، منهم الجزائر وكندا وقطر. وتناقش الحكومات حاليا كيفية إنشاء خطوط الأنابيب التي ستنقل الغاز إلى مختلف بلدان جنوب ووسط أوروبا. وينظر المسؤولون الأوروبيون بجدية في طرق تُتيح لبلدانهم استخدام الطاقة بكفاءة أكبر، وقد وافق مجلس الاتحاد الأوروبي في يوليو/تموز على خطة لترشيد الطاقة تتطلب من الدول الأعضاء خفض استهلاكهم للغاز بنسبة 15% بحلول الشتاء. كما حدَّدت بعض الحكومات، منها فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، القطاعات التي ستخفض استهلاكها للطاقة، بينما تقاوم دول أعضاء أخرى، مثل ألمانيا، اتخاذ تدابير مماثلة.


ومع ذلك، فإن مثل هذه الخطوات عاجزة عن حل الأزمة التي تواجهها أوروبا حلًّا شاملًا، إذ تتعامل الحكومات الأوروبية مع أعراض أزمتها فحسب، بينما تتجاهل أسبابها. فلن تستطيع أوروبا أن تسلك مسار تحقيق الأمان في قطاع الطاقة إلا عن طريق تنسيق السياسات الخارجية، وليس بالاستجابات الفردية المفككة على مستوى الدول. وفي غياب مثل هذا العمل المشترك، ستجد دول أوروبا نفسها تصارع باستمرار بين التمسُّك بقيمها وتلبية احتياجات مواطنيها الأساسية، وهو صراع محفوف بالمخاطر سيضر بالمشروع الأوروبي نفسه. ولذا، يجب على الحكومات الأوروبية التصرُّف بسرعة لتجنُّب أسوأ تداعيات الشتاء القادم.

ناقوس الخطر
واجهت أوروبا صعوبة في الأشهر الأخيرة لتحرير نفسها من الاعتماد على الطاقة الروسية. وحتى أجرأ جهود بذلتها لتنويع مصادرها من الطاقة عجزت عن تجاوز اعتمادها التاريخي المُفرِط على روسيا. ففي يوليو/تموز، دفع المسؤولون الألمان بكندا إلى الالتفاف على العقوبات، التي فرضتها ألمانيا بنفسها على روسيا، لإصلاح خط الأنابيب "نورد ستريم 1″، ومن ثمَّ الحفاظ على تدفُّق الغاز الروسي إلى ألمانيا. وحدث ذلك بعد أيام قليلة فقط من قصف روسيا لمركز تجاري في مدينة "كْرَمَنتشوك" الأوكرانية بينما كان يوجد فيه أكثر من ألف شخص. ويبدو أن التزام أوروبا المفترض بمحاسبة روسيا على أفعالها في أوكرانيا قد خسر أمام احتياجاتها من الطاقة.

ظهرت إشارة تحذيرية أخرى في إيطاليا هذا الصيف، حينما أطاح عدد من الأحزاب السياسية، منها "حركة النجوم الخمسة" وحزبا اليمين "ليغا نورد" و"فورزا إيطاليا"، بحكومة رئيس الوزراء "ماريو دراغي" على خلفية محاولاتها إبعاد الاقتصاد الإيطالي عن الطاقة الروسية. وجادلت أحزاب المعارضة حينئذ بأن مثل هذا الإنفاق لم يكن ضروريا، وجادلت بأن بقاء البلاد زبونا مُخلِصا للغاز الروسي أرخص بكثير. وقد انشقت إيطاليا، وهي واحدة من أثقل دول الاتحاد الأوروبي، عن الإجماع حيال الحفاظ على موقف صارم من حرب بوتين الشنيعة، مما أحدث صدمة في عواصم أوروبية أخرى (وهو اتجاه قد يتعزَّز مع صعود "جورجيا ميلوني" على رأس حزب "إخوان إيطاليا" إلى السلطة بعد اكتساحها الانتخابات قبل أيام).

إذا أمكن لروما الخروج عن الجهد الجماعي الأوروبي في هذا الملف، فقد تسير على خُطاها عواصم أخرى بالنظر إلى ارتفاع الأصوات القومية الصاخبة في دول الاتحاد كافة تقريبا. وهو ما أكَّدته دعوة "مارين لوبان"، زعيمة حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف بفرنسا، في الأسبوع الأول من أغسطس/آب الماضي، بدعوتها إلى إنهاء العقوبات على روسيا، واصفة إياها بأنها "عديمة النفع". وتحت هذه الضغوط الاقتصادية والسياسية، فإن أوروبا تخاطر بإضاعة الوحدة المذهلة التي اتسمت بها استجابتها للحرب الروسية على أوكرانيا، ولربما استشعر الكرملين ذاته هذا الشقاق.


فقد شدَّد بوتين خطابه على نحو ملحوظ خلال الأشهر القليلة الماضية، مُلقيا باللوم في ارتفاع أسعار الغذاء والوقود عالميا على القوى التي فرضت العقوبات على بلاده. وليس من المرجح أن تتوقف موسكو عن انتهاج سياسة حافة الهاوية، بل ستستمر في اختبار مدى قدرة أوروبا على تحمُّل انتهاكات روسيا للقوانين الدولية والإنسانية. ويُشكِّل تعنُّت بوتين مخاطر كبيرة على الأوروبيين، فإذا صدقت التكهنات الحالية بالانقطاع المتكرر في التيار الكهربائي وتحوَّلت إلى أمر واقع بالنسبة للشركات؛ فستعاني التنافسية الصناعية الأوروبية أشد المعاناة. وفي الوقت ذاته، فإن الاستجابات المتوقعة باستبدال الغاز الروسي الضائع عبر وقود أحفوري من مصادر أخرى، بدلا من توسيع نطاق مصادر الطاقة المتجددة بسرعة؛ تعني خطورة على الأهداف المناخية لأوروبا. ويبدو إذن أن خطة الاتحاد الأوروبي للتحوُّل الأخضر تتخبَّط هذه الأيام، بينما تركز الحكومات على احتياجات الطاقة على المدى القصير. ونتيجة لذلك، فإن ادعاء أوروبا بأنها تتزعَّم العالم لمعالجة التغيُّر المناخي مشكوك فيه أكثر من أي وقت مضى.

أوروبا والسيادة في مجال الطاقة
بيد أنه بإمكان أوروبا أن تشق طريقا للأمام وسط هذه الفوضى للشروع في حماية أمن الطاقة الخاص بها مستقبلا، ومن ثمَّ أمنها القومي بصورة عامة. إن هناك دولا عديدة حول العالم لم تكن غافلة عن الفوضى التي تسبَّب فيها بوتين من خلال استهانته بقواعد القانون الدولي، ولذا، على دول الاتحاد الأوروبي الاستعداد الآن لعالم من الفوضى حين تحذو دول أخرى حذو موسكو. وستحتاج الدول الأوروبية إلى شحذ مواردها لإعداد نفسها لمواكبة الأحداث، وسيكون عليها أن تدرك أن تحقيق السيادة غير ممكن إلا بالتنسيق فيما بينها، أما إن استمرت في التعامل مع الأزمة بمنهجية مُفتَّتة وفردية لا جماعية، فإنها ستغرق في أتون العاصفة.

يحتاج صُنَّاع السياسات إلى تقديم سردية أقوى فيما يخص الحاجة إلى تأمين الطاقة المستدامة في شتى أنحاء أوروبا. وكذلك على زعماء أوروبا أن يكونوا مُدركين أن الاتحاد لن ينجو إلا إذا تحرَّكت بلدانه معا، حيث تحتاج الائتلافات الحاكمة إلى القدرة على تحمُّل التكاليف السياسية لبث هذه الرسالة أمام شعوبها (في ظل تراجع شعبية الاتحاد الأوروبي). على سبيل المثال، تعاملت الأحزاب المتنوعة في الحكومة الائتلافية الألمانية مع خفض استهلاك الطاقة على أنه ضرورة مُلِحَّة بدرجات مختلفة (حسب أجندة كل حزب على حِدَة)، وهو عدم اتساق غير مقبول. وبالنظر إلى حجم ألمانيا ونفوذها، نتج عن نهج حكومتها المتردد في الضغط على المستهلكين والشركات لشد الأحزمة تداعيات تجاوزت برلين نفسها، وكان لها أثر مدمر على الجهود الأوروبية الموحدة لترشيد الطاقة.


يعني ذلك أيضا ضرورة التخطيط الجماعي للطاقة في الشتاء، حيث يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى النظر إستراتيجيا إلى ماهية الموارد التي يمكن للبلدان الأوروبية حشدها معا لمواجهة الشتاء -قبل حدوث العجز المحتمل- ومن ثمَّ تجنُّب اللجوء إلى طلب العون بين الدول الأعضاء وبعضها، حيث يُمكِن تسييس مثل هذه الطلبات بسهولة، مما يؤدي إلى نثر المزيد من بذور الانقسام بين دول الاتحاد الأوروبي. يقف الاتحاد الأوروبي الآن أمام لحظة اختبار لتحقيق أهدافه العُليا "بأي ثمن"، التي وصل إليها سابقا أثناء أزمة اليورو عام 2012، وفي خضم جائحة كورونا في صيف عام 2020. ويجب على قادته النظر في تكرار بعض قراراتهم التي اتخذوها خلال الجائحة، بما في ذلك الاقتراض على نطاق واسع من السوق لتحقيق زيادة سريعة في مصادر الطاقة النظيفة، التي يمكن الاعتماد عليها أكثر من غيرها، كي تصبح مصدرا لتلبية متطلبات الطاقة الأوروبية في هذا الشتاء وما بعده.

لعل الأمر الأكثر إلحاحا بالنسبة للاتحاد الأوروبي الآن هو حاجته إلى إستراتيجية للسياسة الخارجية من أجل بناء شبكة واسعة من العلاقات بين الدول التي ستدعم مستقبلا مستداما لأمن الطاقة في أوروبا. فمثلا، على الاتحاد الأوروبي زيادة استثماره في برامج ابتكار مشتركة، وتكثيف التعاون بشأن كفاءة الطاقة، ودعم مبادرات الطاقة النظيفة في بلدان أوروبا الشرقية وأفريقيا لزيادة مصادر الطاقة الخضراء التي يمكن الاعتماد عليها. كما يجب على الاتحاد دعم الإسراع في التحوُّل الأخضر في الصناعات الرئيسية بالبلدان الشريكة له، وحجب التمويل وصلاحية الوصول إلى سلاسل التوريد الأوروبية عن الشركات التي تخالف المعايير الخضراء الصارمة. ولهذا السبب، يجب أن تنظر سياسة التصنيع الأخضر الأوروبية نحو الخارج لتساعد الشركات في أنحاء البلدان المجاورة لها كي تصير جزءا من بيئة أوروبية حاضنة على نطاق أوسع. وإن لم تُنفَّذ هذه الدبلوماسية القائمة على الطاقة المستدامة، فإن أوروبا تغامر باحتمالية الانزلاق مجددا إلى التبعية الخطيرة التي عانت منها من مجال الطاقة حتى اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا.

بإمكان أوروبا تجاوز هذه الأزمة، بل والخروج منها بمظاهر سيادة أكثر من ذي قبل. بيد أن الاختيارات التي ستُقرِّرها في غضون الأسابيع المقبلة ستُحدِّد ما إذا كانت ستضمن استقلالها بالفعل، أم أن المشروع السياسي الأوروبي سيكون ضحية أخرى من ضحايا حرب بوتين القاسية. "الجزيرة
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك