اعتاد اللبناني على سماع أخبار القتل والجرائم والاحداث الأمنية المتنقلة بين المناطق، في ظل غياب السلطة الأمنية، وذلك بسبب تفشي ظاهرة انتشار السلاح. وإذا كانت ظاهرة اقتناء السلاح في لبنان بدأت منذ العصور الغابرة بسبب ما مرّ على هذا الوطن من احتلالات وغزوات، وبسبب ضعف الدولة المركزية، فإن انتشار السلاح غير الشرعي بين أيدي المواطنين بات إشكالية أمنية يدعو البعض الى حلّها.
وأمام تفشي هذه الظاهرة الخطيرة، يبقى الحل الوحيد ضبطها وفق الأصول والأنظمة الرادعة في يد السلطة، أي في عهدة الدولة اللبنانية ومؤسساتها الأمنية. ولكن في الواقع، لا بد من الإشارة الى وجود ظروف معينة أنتجت التربة الصالحة للدفع بهذه الظاهرة الى واجهة الإهتمام.
"لبنان 24" سأل مصدراً عسكرياً عن الجهات التي يسمح لها الحصول على تراخيص حمل واقتناء الأسلحة، وما هو حجم انتشار السلاح غير المرخص ووسائل ضبطه ومكافحته؟ فأجاب إن "مشروعية حمل السلاح تختلف بين أن يكون الشخص مدنياً أو منتمياً إلى جهاز أمني أو عسكري وهذا الأخير لا خلاف على حقه بحمل السلاح، أما الشخص المدني فيحتاج لترخيص رسمي".
ويضيف: "من جهة ثانية، تخصص الدولة للنواب والمسؤولين الرسميين مرافقين أمنيين. وفي فترة معينة تم فصل هؤلاء المرافقين من جهاز أمن الدولة. وقد طالب بعض القضاة بمرافقين لحمايتهم، ففصلت لهم مديرية المخابرات عناصر حماية ومرافقة. وكذلك حصل مع مديرية الأمن العام التي فصلت لبعض المسؤولين عناصر تابعه لجهازها. وبات كل موظف رسمي، بمجرد أن يشعر بأنه في خطر أثناء ممارسته وظيفته، يتقدم بطلب للجهاز التابع له مرفقاً بأسباب طلبه للحماية. فيصار الى وضع مرافق خاص في تصرفه ليؤمّن له الحماية الشخصية. وكل هذه العناصر لا خلاف عليها لأنها مرخصة ورسمية".
ويشير المصدر العسكري الى أن "هناك طريقتين لطلب ترخيص لاقتناء السلاح: اقتناء سلاح حربي ويحتاج تقديم طلب يذكر فيه الأسباب الموجبة لاقتناء السلاح، كوجود بيته في منطقة منعزلة أو إمكانية تعرضه لخطر وغيرها، هناك حجج كثيرة يمكن أن يجترحها المواطن، وقد سمح بها القانون تحت عنوان "الدفاع عن النفس"، وهذه الرخص لها مصدر واحد فقط هو وزارة الدفاع الوطني، أما النوع الثاني فهو اقتناء سلاح الصيد، وتُقدَّم طلبات الترخيص لهذه الأسلحة في الأقاليم والمحافظات ضمن المناطق."
ويتابع: "للأسف، هناك بعض الأجهزة الأمنية التي سمحت لنفسها بتزويد الناس بتراخيص للأسلحة. وتعتبر هذه التقديمات سبباً من أسباب تفاقم ظهور الأسلحة بين أيدي المدنيين. وغالباً ما تُستَغل هذه العملية من قبل تلك الأجهزة لرفع نسبة رصيدها الشعبي بين المواطنين. فإذا بهذا السلاح يُستَخدم عند أي مشادة كلامية أو عند وقوع أي حادث أو مشكلة"، لافتاً إلى أن "استخدام السلاح خارج المكان المرخص له قانوناً يأتي في خانة نقل السلاح وليس اقتناءه. ومعلوم أن رخصة نقل السلاح مختلفة عن رخصة حمله واقتنائه"، لافتاً إلى أن "استغلال بعض المسؤولين لتوزيع رخص سلاح على أزلامهم ومؤيديهم وأتباعهم، وكأنهم لا يعون خطورة ما يفعلون، يجعل من الضروري ضبط هذا العملية، كماً ونوعاً".
ويقول المصدر: "أما الظاهرة الأكثر خطورة، فهي ظاهرة "إظهار" الأسلحة، وهي متواجدة بكثرة في المجتمع اللبناني، وتظهر بشكل سافر وعلني، علماً أنه رخص السلاح تحمل الملاحظة التالية: "على أن لا يكون ظاهراً"، منبهاً إلى أن "أي سلاح لا يحمل صاحبه ترخيصاً صادراً عن وزير الدفاع يجعل منه "غير قانوني".
لكن من يضبط السلاح غير المرخَّص؟ يجيب: "هذا عمل الجيش اللبناني المولج توقيف كل حامل سلاح غير مرخص، حيث يتم تحويله الى الشرطة العسكرية".
ويرجح المصدر عينه قائلاً: "المواطن اللبناني يعيش حالة خوف من السلاح المنتشر بعشوائية في كل شارع وكل زاوية ومكان. ولا ننكر ان الحاجة الى السلاح يبررها الخوف من استعمال سلاح آخر على فئة معينة. لهذا تفاقمت ظاهرة التسلح بين المواطنين بحجة الدفاع عن أنفسهم، ولم نعد نستطيع أن نقنع الناس بوجوب عدم التسلح، ووحتى نستطيع أن نحدَّ من إقبال المدنيين على شراء الأسلحة، علينا أن نوفر له عاملين أساسيين: العامل الأول هو الامن الذي تفرضه المؤسسات العسكرية والأمنية. أما العامل الثاني فهو القضاء بأجهزته كافة الذي يأمر بتوقيف حملة السلاح ومستخدميه. وهذان العاملان غير متوافرين مع الأسف الشديد.”
ويؤكد المصدر العسكري ان "قيادة الجيش تضبط يومياً اسلحة فردية تكون بحوزة المواطنين ولكن معظم الجرائم التي تحصل لا يكون صاحبها حائزاً على رخصة سلاح. وعند توقيفهم يتدخل المسؤولون السياسيون ويعمدون الى تسهيل اخلاء سبيلهم."
ضمن هذه المعمعة والفوضى، يبقى السؤال الذي يطرحه المواطن: هل ستتمكن الحكومة من إيجاد الحلّ الجذري لموضوع السلاح المتفلت في لبنان، والذي يمتلكه اللبنانيون ويهدد حياة الناس، بحيث لا يكون على ارض الدولة اللبنانية إلا السلاح الشرعي في يد القوات المسلحة الشرعية فقط؟