يحلّ اليوم الدولي للتعليم في 24 كانون الثاني هذا العام، والواقع التعليمي "ينزف" في دول عربية، فقد جاءت كورونا والأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتلاحقة كي تزيد من متاعب القطاع، المنهك أصلاً من ضعف التمويل وعدم تطوير المناهج التربوية في دول عدة.
التفاوت هو السمة الأساسية للتعليم بين الدول العربية، وفق الإحصاءات وآراء الخبراء، فما أحزته الإمارات و سلطنة عمان على صعيد تطوير المناهج، ليست مثل ما يقوم به لبنان أو دول أخرى، هذا فضلا عن التمويل العام المخصص للتعليم والمتفاوت أيضا بين الدول.
ووسط ذلك، يُطالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بـ"إيجاد نُظُم تعليمية يمكنها دعم المجتمعات المتساوية والاقتصادات الدينامية والأحلام غير المحدودة لكل متعلم في العالم". كذلك، تشير الأمم المتحدة إلى أن "التعليم يمكن من الحراك الاجتماعي والاقتصادي الصاعد، وهو وسيلة مهمة للهروب من الفقر".
وعلى مدى العقد الماضي، أُحرز تقدم كبير في تسهيل الوصول إلى التعليم ومعدلات الالتحاق بالمدارس عالميا على جميع المستويات، لا سيما للفتيات، بحسب الأمم المتحدة. ومع ذلك، فإن نحو 260 مليون طفل كانوا لا يزالون خارج المدرسة في عام 2018، وهم يشكلون ما يقارب خمس سكان العالم في هذه الفئة العمرية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن أكثر من نصف الأطفال والمراهقين حول العالم لا يتوفر لهم الحد الأدنى من معايير الكفاءة في القراءة والرياضيات، حسب بيانات الأمم المتحدة.
وتلقت الدول حول العالم ضربة قاسية من كورونا للتعليم، ففي عام 2020، ومع انتشار جائحة كوفيد-19 أعلنت غالبية دول العالم عن الإغلاق المؤقت للمدارس، مما أثر على أكثر من 91 في المئة من الطلاب، وفق الأمم المتحدة. وبحلول شهر نيسان 2020، فإن ما يقارب 6,1 مليار طفل وشاب كانوا خارج المدرسة، وكان على 369 مليون طفل يعتمدون على الوجبات المدرسية أن يبحثوا عن مصادر أخرى لغذائهم اليومي.
الواقع في العالم العربي
تشدد رئيسة المركز التربوي اللبناني للبحوث والإنماء، الدكتورة هيام اسحق، في حديث لموقع "الحرة" على أن "مجموعة الأزمات التي عانت منها الدول العربية من كورونا إلى أزمات سعر الصرف، والأزمات الاقتصادية، وصولا إلى المشاكل الاجتماعية، أثرت على القطاع التعليمي بشكل كبير، وتسببت في تسرب مدرسي، وزيادة مستويات الفقدان التعلمي".
ووضعت العديد من الدول العربية، بحسب اسحق، الخطط اللازمة، على ضوء أرقام الفقدان التعلمي، "كي تتمكن من تحديد السياسات اللازمة للتعويض عن التسرب الذي حصل".
وأكدت أن "الفقدان التعلمي الذي حصل في الدول العربية لا يعوض بوقت سريع، بل يحتاج إلى سنوات".
ووصل المتوسط العربي لسنوات التمدرس (بقاء الطلبة في نظام التعليم) إلى نحو 12,4 في المئة، عام 2020، وهو معدل أقل من الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة، نحو 13,9 في المئة.
المناهج التربوية العربية
وتعتبر اسحق أنه "يترتب تعديل المناهج التعليمية في دول عربية كي تصبح حديثة، من خلال الإدخال عليها معارف القرن الحادي والعشرين التكنولوجية والبيئية، من أجل مواكبة العصر وسوق العمل".
وتقول إنه "يجب جعل المناهج التعليمية ناشطة، كي يتعاطى الطالب معها على أساس أنه يقوم ببنائها بنفسه".
وتلفت إلى أن "هناك العديد من الدول العربية التي جددت مناهجها، ومنها سلطنة عمان التي كانت تعمل مع جامعة كامبريدج على تطوير المناهج التعليمية، وقطر، والإمارات".
وتشير إلى "وجد تفاوت كبير بين الدول العربية على صعيد تطوير المناهج التعليمية، فهناك دول أنهت التطوير، وأخرى بدأت الآن وأخرى لم تبدأ بعد".
وتجديد المناهج يفترض أن يكون عملية مستمرة، بحيث يعاد النظر بالمناهج بهوامش سنوية قصيرة، كل 5 سنوات أو أقل، من خلال إدخال تعديلات ومقاربات جديدة تواكب العصر، وفق اسحق.
التعليم الأساسي وأهميته
وبحسب التقرير الاقتصادي العربي الموحد، الصادر عن العام 2022 عن صندوق النقد العربي وجامعة الدول العربية، فإن قطاع التعليم، وخصوصاً التعليم الأساسي، يعتبر أحد أهم محددات كفاءة وفعالية وإنتاجية القوى العاملة.
وتظهر أرقام التقرير، أن معدل القيد الإجمالي في مرحلة التعليم الأساسي في الدول العربية مجتمعة حتى عام 2020، بلع نحو 104,4 في المئة، مقابل نحو 101,6 في المئة، في دول العالم ككل، والدول ذات الدخل المتوسط المرتفع، ونحو 103,6 في المئة في الدول ذات الدخل المنخفض.
ويمثل معدل القيد الإجمالي في مرحلة التعليم الأساسي نسبة عدد الطلبة المقيدين في مرحلة تعليمية بغض النظر عن أعمارهم إلى إجمالي السكان في سن التعليم الدراسي الرسمي في تلك المرحلة.
ويؤكد التقرير أن الدول العربية الأقل نموا، لا تزال تواجه نقصا حادا في مستوى القيد في المرحلة الأولى من التعليم.
وتشير بعض الدراسات إلى تدني مستويات المخرجات التعليمية في بعض البلدان العربية مقارنة بالدول النامية الأخرى، ما يعني الحاجة لاتخاذ إجراءات فعالة للمزيد من الإصلاحات في الأنظمة التربوية، بما يكفل رفع مستوى تحصيل الطلبة.
الإنفاق الحكومي
إلى ذلك، فقد بلغ متوسط نسبة الإنفاق على التعليم إلى الدخل القومي الإجمالي في الدول العربية، خلال عام 2020، نحو 3,5 في المئة، وهو ما يقل عن مثيليه في الدول النامية البالغ 4,4 في المئة، ودول العالم ككل البالغ 4,6 في المئة.
وتشدد اسحق على "ضرورة تخصيص جزء أكبر من الموازنات العامة لصالح قطاع التعليم، لأن الدول التي قامت بنهضات اقتصادية وتنموية هي تلك التي استثمرت بالتربية".
وتختم: "لذلك يجب أن يكون تركيز الدول العربية على تمويل القطاع التعليمي وتطويره". (الحرة)