يمكن القول بأن سباقاً محموماً يجري في الجنوب السوري بين التصعيد العسكري وجهود تثبيت إتفاق خفض التوتر، خصوصا في ظل إنتقال العميد سهيل الحسن الى محيط درعا وفتح معركة مع مجموعات تابعة لـ"الجيش السوري الحر" على رأس تعزيزات مدرعة من وحدات الجيش لأجل إحكام القبضة على حدود جبهة الجولان كما السيطرة على الحدود الجنوبية مع الاردن، تمهيدا للسيطرة على معبر "نصيب" البري، من هنا قفز الى الواجهة الاستنفار العسكري في أطراف القنيطرة ومحيط درعا وصولا الى حدود السويداء، مع ما يرافقه من خطر دخول إسرائيل على الخط ضمن الدول المعنية بالحرب السورية.
وتتزامن التطورات العسكرية في الجنوب مع جملة تفاهمات في الشمال يرعاها الجانب التركي بضمانات روسية وبمشاركة أميركية فاعلة تقضي بتأمين الاستقرار الشامل في أجزاء واسعة في محافظتي حلب ودير الزور، الامر الذي يثير نوعا من التناقض في مسار الازمة السورية ما بين المساعي المبذولة في الشمال وخطر إندلاع المعارك في الجنوب، مع ما يعنيه من إستنفار إسرائيلي كامل والتدخل عن طريق الوساطة الاميركية.
ووفق معلومات خاصة بـ"لبنان 24" فإنّ الطرف الاسرائيلي وعن طريق الاميركيين لم يبد ممانعة لدور جيش النظام على التماس مع حدوده بقدر االرفض الكامل لوجود مجموعات تابعة لحزب الله أو للميليشيات الشيعية التابعة الى إيران، وتضيف المعلومات نفسها بأن الجانب الاميركي نقل الى النظام السوري عن طريق روسيا بضرورة إبعاد هذه المجموعات مسافة 80 كلم عن الجولان أي الى ما بعد العاصمة السورية دمشق، تحت طائلة تنفيذ المقاتلات الاسرائيلية غارات جوية، وتشير مصادر متابعة بأن إسرائيل تستفيد من تفاهم تام مع روسيا على منع أي دور للميلشيات الشيعية وسحبها بالكامل من الجنوب السوري.
هذا الامر يؤشر بطبيعة الحال الى عمق التباين الحاد بين الحليفين إيران وسوريا، وهو ما بدأ ينعكس صراعات متفرقة على الارض، كما من المرجح تزايد الاحتكاكات ما بين الشرطة العسكرية الروسية والمليشيات الشيعية ما يضع إحتمال وقوع المواجهة المباشرة، الامر الذي يضع النظام السوري بموقف حرج ويفقده عامل المبادرة ويضعف موقف الرئيس بشار الاسد ووضعيته في المستقبل، طالما أن مجريات التجاذب بين روسيا وإيران لن يكون منفصلا عن النقاش الدائر حول وضع الرئاسة السورية في المرحلة الانتقالية.
في هذا السياق، تقضي الجهود الدولية في سوريا راهنا العمل على إقرار اللجنة الدستورية المكونة من نحو 50 شخصية حقوقية وسياسية تنحصر مهمتها إقرار دستور سوريا الجديدة، ويندرج في هذا الاطار الاجتماع الذي يعقد في 25 حزيران المقبل في جنيف لممثلي الدول المعنية بالحرب السورية، ويسعى الموفد الدولي ستيفان دي مستورا الى تقريب وجهات النظر بين الدول الضامنة والمنقسة ما بين روسيا وتركيا وإيران من جهة ومن أميركا على رأس مجموعة الدول الست التي تضم بريطانيا وفرنسا والمانيا بالاضافة الى السعودية والاردن.
أهمية "اللجنة الدستورية" المذكورة لا تنحصر بكونها الاطار الاساسي لمناقشة الدستور السوري الجديد بما في ذلك النقاش في الصلاحيات للمؤسسات الدستورية من رئاسة الجمهورية الى الحكومة والبرلمان، بقدر بكونها ستفتح المجال لتنفيذ المرحلة الانتقالية التي ستنطلق في العام 2021 مع الانتخابات البرلمانية بإشراف دولي وتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم المعارضة في الداخل والخارج، أما الانطباع السائد فإن الفترة ة الفاصلة عن الانتخابات في الـ 3 سنوات المقبلة ستشهد الكثر من الصراعات والمعارك على الارض لأجل فرض معادلات بالحديد والنار قبيل الإنصراف إلى الحملات الانتخابية والاستحقاقات الديمقراطية.