رأى الباحث روبرت مور، في مقال بمجلة "ناشونال إنترست" الأميركية، أن الحرب الأهلية في سوريا المستمرة منذ أكثر من ست سنوات تُعد مثالاً صارخاً، منذ بدايتها، لمستنقع جيوسياسي. فحتى قبل اندلاع هذا القتال كانت سوريا واحدة من أكثر الدول تعقيداً وتقلباً في الشرق الأوسط.
وأشار مور إلى زيارة السيناتور ليندسي غراهام، وهو جمهوري بارز في مجال الأمن القومي والسياسة الدولية، خلال الأسبوع الماضي إلى الشرق الأوسط وتحذيره لتركيا من التورط العسكري بشكل أكبر في الحرب الأهلية السورية. وعقب اللقاء مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حذر غراهام من أي توغلات أخرى للجيش التركي في سوريا؛ لأن أنقرة ستجد نفسها في مستنقع.
ويقول مور: "في عالم مليء بالمبالغة والدهاء السياسي والأخبار المزيفة، فإنه من النادر سماع مثل هذه التصريحات الدقيقة القائمة على الأدلة، وبخاصة لأن تتبع تاريخ سوريا المضطرب منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية وحتى اتفاقية سايكس بيكو لعام 1916 يوضح أن سوريا خلال القرن الماضي تشكلت من خلال مزيج من الجماعات المتصارعة تاريخياً واضطرت إلى التعايش مع بعضها البعض تحت سيطرة حكومة واحدة من خلال فرض النظام من الخارج أو الاستبداد الداخلي".
حرب بالوكالة
ويلفت مور إلى أن تركيا من الدول الأكثر تعرضاً للخطر مقارنة مع معظم الدول الأخرى؛ حيث تتقاسم حدوداً طويلة مع سوريا التي مزقتها الحرب، ولكن معارضة تركيا لتمكين الأكراد السوريين على حدودهم تجعلها على خلاف مع الولايات المتحدة التي ترغب في استخدام الأكراد لمحاربة الجماعات المتطرفة والضغط على الحكومة السورية. وفي المقابل يواصل القادة الروس وإيران دعم الحكومة وقد حدث بينهم تقارب خطير لبدء صراع أكبر مع تركيا وحلف الناتو.
ويعتبر كاتب المقال أن الحرب السورية باتت صراعاً بالوكالة بين حلف الناتو وروسيا، وكذلك صراعاً بالوكالة أيضاً بين الولايات المتحدة وإيران؛ حيث تتفاوض الدولتان على مستقبل برنامج إيران النووي والعقوبات الدولية. ومع تحول الحرب الأهلية السورية حالة من الفوضى، يجب على أي قوة خارجية أن تكون حذرة من التورط فيها.
ويؤكد الكاتب أن تحذيرات السيناتور غراهام للحكومة التركية لم تكن بدافع الاهتمام بالمصالح التركية وإنما لإزالة العائق الذي يشكله التعنت التركي ضد الدعم الأميركي للأكراد السوريين، وما ينطوي عليه ذلك لمستقبل التدخل الأميركي في هذا الصراع؛ لاسيما أنّ أغلبية القادة التشريعيين والتنفيذيين الأميركيين يؤيدون المزيد من التدخل الأميركي في سوريا من خلال تدريب وتسليح جماعات المعارضة وإنشاء مناطق حظر طيران، فضلاً عن المزيد من التدخل العسكري.
الخروج من المستنقع
ولكن كاتب المقال يرى أن التدخل الأميركي منذ عام 2013 يعكس أن واشنطن لن تكون بمأمن من التناقضات الإستراتيجية والتعقيدات التكتيكية التي تعاني منها الدول الأخرى التي تدخلت في سوريا، لافتاً إلى إلغاء البرنامج التدريبي الأول لتدريب وتسليح المعارضة السورية في عام 2015 (الذي تكلف قرابة 500 مليون دولار) بعد الاخفاق في الاقتراب من تحقيق النتائج المتوقعة، وتزايد المخاوف من أن تصل الأسلحة الأميركية إلى الجماعات الإرهابية.
ويختتم كاتب المقال بحض القادة الأميركيين والمعنيين في الكونغرس على التراجع عن تدخل الولايات المتحدة في الصراع السوري أو "المستنقع" على حد وصفه، حفاظاً على المصالح والموارد الأميركية.
(24)