في لحظة إستشهادها أعادت الإعلامية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة إلى القضية الفلسطينية التي ناضلت من أجلها بالكلمة الحرّة وبجرأة الأبطال نبض الشارع.
لحظة سقوطها برصاصة الغدر والحقد والعدوان والطغيان أُعيد للقضية الفلسطينية وهج النضال.
في هذه اللحظة التي كانت تسلم فيها الروح كانت شيرين تختصر بعودها الطري وبإرادتها الصلبة مسيرة الآف الشهداء والآف المناضلين لإعادة الحقّ إلى أصحابه.
شيرين التي كانت تصرّ على إسماع صوتها الحرّ إلى كل العالم، وبالأخصّ العالم العربي، وحدّت الشارع العربي، من جنين المحاصرة، إلى بيروت التي لا تزال تلملم جراح "إنفجار العصر"، إلى دمشق التي تصارع للبقاء، إلى بغداد المنتفضة على واقع لا يشبهها، إلى عدن الجريحة، إلى القاهرة "أمّ الدنيا"، إلى الخرطوم فالرياض وأبو ظبي والكويت والمنامة والدوحة، وعواصم المغرب العربي، إلى كل أقاصي الأرض، حيث للحق ألف جولة.
في حياتها أرعبت شيرين العدو الإسرائيلي الغاصب والمحتل بكلمتها الجريئة. وفي مماتها قضّت لهم المضاجع. وفي دفنها طاردتهم وأخافتهم.
على وقع قرع أجراس الكنائس وتأذين المآذن وُدّعت شيرين. على الأكفّ رُفع نعشها. وإلى المثوى الأخير رافقتها الصلوات والأهازيج.
فشيرين هي شهيدة كل العرب، شهيدة ستبقى ذكراها خالدة، وستبقى دماؤها شاهدة على غدر الغادرين.
لبنان المتعاطف مع القضية الفلسطسنية ومع الشعب الفلسطيني الذي يقاوم باللحمّ الحيّ المحتل الغاصب، ودّع شيرين وداع الأبطال.
وبعد هذا المشهد التوحيدي من النيل إلى الفرات، يبقى أن توضع النقاط على الحروف بكلمات نستعيرها من نضال شيرين.
فدم شيرين يجب الأ يذهب هدرًا في سوق المزايدات والتسويات والتنازلات والمساومات، وبالتالي يجب أخذ العبر من هذا الإلتفاف اللبناني، مسيحيين ومسلمين، حول معاني هذا الإستشهاد، أقله بالنسبة إلى الفلسطينيين الموجودين في لبنان، في مخيماته وخارجها، وأن ينأوا بأنفسهم عن التدّخل في الشؤون اللبنانية الداخلية، ومناصرة هذا الفريق ضد الفريق الآخر.
ما يعانيه اللبنانيون من ضيق إقتصادي يعانيه الفلطسطينيون بالقدر نفسه، وما يمكن أن يلحق باللبنانيين من أذى نتيجة التسويات الخارجية سيلحق بالفلسطينيين المتواجدين على الأراضي اللبنانية.
ليكن إستشهاد شيرين، التي بذلت دمها فداء لفلسطين والعرب، جميع العرب، عبرة لمن لا يزال يعتدّ بمواقف لا تشبه تضحيات الشهداء، ويحاولون من خلال بعض "الحرتقات" الصغيرة تمويه الحقائق وتشويهها وطمسها وتزويرها.
فشهادة شيرين هي مضبطة لجرائم إسرائيل، ولكنها في الوقت نفسه إدانة صارخة لأي تصرّف غير مستقيم داخل فلسطين وخارجها، وبالأخصّ من قِبل بعض الفصائل، التي لا تزال تعتقد أنها قادرة من خلال التهويل و"الهوبرة" على فرض واقع جديد حيث هي متواجدة.
حرام أن تضيع دماء شيرين وغيرها من الشهداء هباء. وحرام أن تضيع كل تلك التضحيات في زواريب السياسات الضيقة والمصالح البعيدة كل البعد عن المصالح العامة.
فألف سلام وتحية لروح شيرين الطاهرة.