حدثان متزامنان في أمسية بيت الدين، الأول كوني فلكي تجلّت في لحظاته عظمة الخالق في خسوف كلي للقمر ، والثاني فني إبداعي تجلّت في مشهديته تلك القيمة الفنية النادرة التي يبدع قيصرُ الغناء في تأديتها ، مبحراً بزمن العشق إلى يمٍّ فيه من لؤلؤيات نزار قباني ما يجعل امرأة القيصر سلطانة الأزمنة والقلوب.
في تمام الساعة التاسعة وثماني دقائق أطلّ القيصر فعلى التصفيق ترحيباً ، " يا مساء الورد يا عصفورتي آه ما أحلى السهرة بقربك "، اختار البداية من أغنية عيد العشاق "وهي تدري أنّني من يوم ميلادي ببحرِ الحب ضائع ، وهي تدري أنّني أعشقها من رأسها حتى الأصابع ". كاظم الساهر نجمٌ دائمٌ في بيت الدين ، عشّاقه يلاقونه في كلّ موسم .المدرجات اكتملت، لا يوجد كرسي واحد شاغراً ، خمسة الآف شخص سعة مدرجات مهرجانات بيت الدين ، والمتواجدون في البهو الخارجي بالمئات يستمتعون بصوته الذي يصدح في أرجاء قصر الأمير بشير الشهابي الثاني .
مكانة خاصة لمسرح بيت الدين الدولي في قلب كاظم الساهر " تسعة عشر عاماً أغني على هذا المسرح ، بعضكم لم يكن قد وُلد بعد ، شكراً لجمهور بيت الدين ، شكراً للتنظيم الحلو، وشكراً لفرقتي العراقية بقيادة حسن خالد وشابات حلوات من لبنان يساعدوننا .... رائع رائع هذا المسرح والفنان هنا يكون فرحان أكثر منكم ".
في تلك الأثناء كان القمر في سماء بيت الدين وقد بدأ خسوفاً جزئياً ، وشيئاً فشيئاً تماهى القمر في لونه الوردي مع حجارة قصر بيت الدين وقناطره الوردية التي عكست إنارة المسرح بما يليق بأمسية القيصر . ولأنّ الحب في روائع القيصر خطيرٌ كعطرها إذا ما اقترن بصوته ، أثبت الفنان العراقي مرة جديدة أنّ الفن الأصيل يسمو بذاته وبالجمهور ، وأنّه مطلب الجماهير وعشقهم ." وما بين حبٍ وحبٍ أحبُكِ أنتِ ، وما بين واحدة ودعتني وواحدة سوف تأتي أفتش عنكِ ، وكأنّ الزمانَ الوحيد زمانك أنتِ".
" دلوعتي" أغنيته الجديدة بدأ باسماع الجمهور كلماتها قبل تأديتها سائلاً "وصلتكم ؟ .. كلمات الأغنية للشاعر كريم العراقي .. دلوعتي طيوبتي محبوبتي خاصمتها صالحتها لما بكت وتوسدت أحضاني ألقت علية القبض مشتاقاً فتحولت عصبيتي لحناني .. إن الرجال فوارس لكنما لا سلطة تعلو على النسوان .. " مبتسماً يعلّق على تلقف إحداهنّ لكلمات الأغنية بالكثير من الإعجاب " "كيفتي عليها !".
" ها حبيبي مو على بعضك أحسك ..إنت مني تزعل والله زعل الدنيا كلها ولا مكروه يمسك " ، باقة من الأغنيات العراقية أختارها الساهر ، ومنها " هذا اللون عليك يجنن " ، "إتدلل عليّ " و " حنية شوية حنية سمعني كلمة حب واتنازل شوية ...حب وغزل وأشواق " وهي أغنية جديدة ، من دون أن يتخلى عن الأغنيات الأحب إلى قلب جمهوره . بين القديم من الأغنيات والجديد يسأل " حنقدر نتخلى عن "زيديني عشقاً "، يهتف الجمهور مطالبا بتلك الأغنية وسواها " يا مستبدة ... أحبك جداً ... " .
في تلك اللحظة وبينما يسلطن القيصر بأدائه أغنية " هل عندك شك أنّكِ أحلى امرأة في الدنيا ؟ وأهم امرأة في الدنيا ؟ هل عندك شك أنّ دخولك في قلبي هو أعظمُ يوم في التاريخ وأجملُ خبر في الدنيا ؟ "، كان القمر في سماء بيت الدين وقد تحول إلى لون أحمر قرميدي ،مضفياً على الأمسية رومانسية استثنائية ،فيما المريخ يلاقي الأرض ويقترب منها شيئاً فشيئاً . ولكن عاشقو القيصر غير مبالين بما يحدث في سماء الشوف ، مأخوذون هم بروائع فنانهم وثلاثية الأداء والكلمات والنغم ، أحد من الحضور إلى جانبي لم يلتفت إلى حيث القمر ومشهديته .
" لجسمك عطر خطير النوايا يقيم بكل الزوايا " ، يتابع كاظم " كتاب الحب " لنزار قباني " حبكِ يا عميقة العينين تطرفٌ تصوفٌ عبادة ، حبكِ مثل الموت والولادة ..عدّي على أصابع اليدين فأولاً حبيبتي أنتي ، وثانياً وثامناً وتاسعاً وعاشراً حبيبتي أنتي ".
لا استراحة في أمسية القيصر حوالي ساعتين من الوقت كلّل خلالها معشوقته إلهةً للحب في قصر بيت الدين ، فيما الكواكب والنجوم تشهد من عليائها . ( الصور بعدسة نبيل اسماعيل )