رحلت بصمت فيما كانت حياتك بسنواتها الـ 76 صاخبة ومليئة بالإنجازات، فكانت لك مع قصص النجاح ألف بصمة وبصمة، وكان للتلفزيون في قلبك جزءًا أساسيًا ومهمًّا.
البداية مع تلفزيون لبنان في برنامج "استديو الفن"، حيث أكتشفت المواهب، وهم أصبحوا اليوم نجومًا يضيئون الساحة الفنية ويملأونها طربًا ومغنىً. وبعدها إنتقلت إلى محطات أخرى فكان لدعساتك وقع غير الوقعات الأخرى، التي لا لون لها ولا طعم ولا رائحة، وكان النجاح عنوانًا حيث ما حللت، لأن ما بينك وبين الشاشة الصغيرة عشقًا وولعًا لا حدود لهما، فكنتما واحدًا، وأصبحت عائلتُها عائلتَك الثانية.
قيل الكثير في سيمون أسمر، منه ما يذكره بالخير، ومنه ما لم يعطه حقه، وفي كلا الحالتين إجماع على إبداعك وعبقريتك، حيث كنت ترسم ملاحم مشهدية لم يسبقك إليها أحد.
عانيت، كما عانى كثيرون، من قلة الوفاء ونكران الجميل، فكنت تبادل الإساءة بإبتسامة عريضة وتمشي وأنت العارف أن طيفك حاضر في كل أغنية وفي صوت كل فنان تخرّج من مدرستك، وهو باق ما بقي اللحن وترًا في عود ونغمة في السلم الموسيقي.
معك أمتلأت الساحة الفنية طربًا وأصالة، وهي باقية صدىً لما تركته فيها من بصمات لن يمحوها الموت ولن يطويها النسيان ولن تمحوها قلة وفاء. فالبئر العميق لن تُنضب الحجراتُ المرمية فيه مياهَه العذبة.
كنت صانع نجوم على الأرض، وانت اليوم، حيث أنت ستصنع نجومًا في السماء، في أجواق المرتلين، الذين لا تُبّح أصواتهم، مسبحّين وممجدين، صبحًا ومساء، ومنشدين لحن الخلود.
الفن معك كان له رونق آخر، وكذلك الأستديو، اللذان سيفتقدان لبحّة صوتك ولرأيك الصريح غير الجارح.
النغمة التي كان لك معك ألف حكاية حزينة ويتيمة اليوم، وسيبقى فيها بعض من لمساتك العطرة.
فبعدما أسكرك الجلوس الطويل في الأستديو أنطلقت إلى الفضاء الأرحب، الذي سيكون لك فيه مكان تدندن فيه بحرية وتسترجع الذكريات وأنت مطنئن أن لا حسد ولا مال ولا طموحات ولا ثرثرات أو همسات أو وشوشات أو قلة وفاء ستعكر سكون هذا المكان، الذي لم تر عينٌ مثيلاً له، ولم تسمع به أذنٌ ولم يخطر قط على بال بشر.