تترقب الأوساط السياسية على الساحة اللبنانية عودة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري في الساعات القليلة المقبلة من باريس، لاعادة تحريك عجلة التأليف ووضع الطبخة الحكومية على النار، لا سيّما بعد الاجتماع الباريسي الذي عقد مساء الاثنين بين الرئيس سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل تناولا خلاله ملف تأليف الحكومة كما ملفات أثارت الجدل أخيراً، مثل الموقف الذي اتخذه وزير الخارجية من المفوضية السامية للاجئين والذي برز عبره تباين داخل الحكومة.
أشارت المعلومات لصحيفة "النهار" أن الحريري يود تشكيل الحكومة في أسرع وقت وكذلك "تكتل لبنان القوي"، في حين أشارت مصادر التكتل الى انه يطالب بأن يكون معيار التأليف حجم كل تكتل نيابي تبعاً لما أفرزته الانتخابات النيابية الأخيرة وهو مع حكومة وحدة وطنية تشمل أوسع تمثيل ممكن، كما يؤكد التكتل ان لا فيتو على أحد وانه في المقابل لن يتنازل من حصته لأي فريق ومن يريد ان يمنح حصصاً لأي طرف فليمنحها من حصته لا من حصة التكتل، وان من يطالب بمطالب غير محقة هو من يعمل على تأخير تأليف الحكومة.
وأكدت المصادر لصحيفة "اللواء" أن هذا اللقاء أعاد تحريك عجلة التأليف، وان الرئيس الحريري ينوي وضع قطار التأليف مجدداً وسريعاً على السكة، بعد ان لمس من باسيل حلحلة على صعيد الحصة المسيحية.
مصادر سياسية بارزة في التيار الوطني الحر قالت لـ"الأخبار" إن "لقاء باسيل والحريري كان طويلاً وجدياً... ولا توجد مشاكل". وأوضحت أن رئيس الحكومة بات يدرك أن التأخير في التأليف لم يعد مبرراً، وبالتالي بات لزاماً أن يغادر مربع إرضاء الجميع إلى مصارحة كل الأطراف بالأحجام التي تستحق أن تتمثّل بها في الحكومة، "إذ إن من يطالبون بحصص أكبر من حجمهم هم من يؤخرون عملية التأليف. فليس منطقياً أن يطالب الاشتراكيون بثلاث حقائب والقوات بخمس. عندها، بالنسبة والتناسب، يحق للتيار 10 وزراء من دون احتساب حصة رئيس الجمهورية، إلا إذا كان رئيس الحكومة يريد إعطاءهم ذلك من حصته". ونقلت المصادر عن الحريري أنه لا يزال رافضاً أي تمثيل لسنّة 8 آذار في الحكومة.
عون ينتظر الحريري
وعلى الرغم من أن مدّة التكليف لا تزال طبيعية بالنسبة لعمليات تأليف الحكومات في لبنان، الا ان العنصر الجديد الضاغط على تسريع التأليف هو التحديات الاقتصادية التي يواجهها البلد، ومن هنا فان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ينتظر عودة الرئيس الحريري من السفر، للاطلاع منه على رأيه في شأن التصوّر الذي كان قد رَفعه إليه قبَيل سفره إلى الخارج، وليبحث معه، بحسب "الجمهورية" في جديد مشاريع التشكيلات الوزارية انطلاقاً من الصيغة التي عرَضها الرئيس المكلف عليه قبَيل مغادرته الى موسكو وقدّم فيها توزيعةً للحصص الوزارية على القوى السياسية "الأكثر تمثيلاً" والتي في حال تمّ التفاهم عليها ينتقل البحث الى مرحلة توزيع ما تبَقّى من حقائب وزارية على القوى "الأقلّ تمثيلا". وقال أحد زوّار قصر بعبدا لـ"الجمهورية": "إنّ لدى رئيس الجمهورية ملاحظات عدة على التوزيعة الحريرية ولم يتسنَّ له النقاش فيها مع الرئيس المكلف حتى اليوم. وهناك كلام كثير سيقال في الوقت المناسب".
وأشارت صحيفة "اللواء"، في هذا الاطار، الى انه من المفترض ان يستمع الحريري إلى ملاحظات الرئيس عون، ويتفق معه على وجهة التحرّك المقبلة، أولاً لاستعادة المبادرة، وثانياً لتبديد أجواء من الأسئلة التشكيكية والتحذيرية من التأخير، على وقع بروز تعقيدات خارجية وداخلية، ليس أقلها عقدة جديدة برزت مع مطالبة النواب السنة المحسوبين على 8 آذار بحصة اثنين من الحصة السنية، بحيث يبقى للرئيس الحريري أربعة وزراء فقط، وهذا لا يمكن ان يسلّم به، وفقاً لمصادر نيابية مطلعة.
تفاؤل كبير
ومع بروز بشائر انطلاق القطار الحكومي مجدداً ساد نوع من التفاؤل الكبير في امكانية ولادة الحكومة مطلع الشهر المقبل، لاعتبارات عدّة أبرزها زيارة المستشارة الألمانية انغيلا ميركل بيروت الخميس المقبل، وومن ثم سفر رئيس مجلس النواب نبيه بري في اجازة عائلية لمدة اسبوعين، ما سيؤخر حتماً صدور المراسيم الحكومية، الاّ اذا ما طرأت مستجدات مكّنت الرئيس الحريري من تقديم تشكيلته قبل هاتين المحطتين أو ما بينهما، خصوصاً وان الحديث عن العقد التي تعيق تشكيل الحكومة بدأ يتراجع، باتجاه ايجاد حلّ لها، حيث كشفت مصادر في "القوات اللبنانية" لصحيفة "اللواء" ان حلحلة حصلت في ما يتعلق بحقها في الحكومة لجهة القبول باسناد وزارة العدل إليها ومن دون تأكيد المعلومات عن ان نائب رئيس الحكومة اتفق عليه، مشيرة الى انها قدمت للرئيس المكلف تصوراً جديداً، لم تفصح عن تفاصيله منعاً لتعطيله، لكنها قالت انها وضعت بين يديه خيارات عديدة بالنسبة لعدد الوزراء والحقائب، وتترك له حرية الاختيار منها، وهي لا تتمسك بحقيبة معينة كما تردّد انها تتمسك بالصحة، منعاً لتعطيل جهود الرئيس الحريري، وكي لا تسبب له احراجاً اضافياً، يضاف إلى التعقيدات بوجهه، ولذلك تترك الأمور مفتوحة على الحوار توصلاً للتفاهم.
إلّا أنّ مصادر سياسية شكّكت لـ"الجمهورية" في امكانية أن تبصر الحكومة النور في القريب العاجل، وقالت: "نعتقد أنّ الولادة الحكومية ليست سريعة، وليس هناك من عقَدٍ داخلية، بل وضعُ في المنطقة غير طبيعي ولا يتلاءم مع تأليف حكومة غير متوازنة مئة في المئة في لبنان".
العقدة الدرزية على حالها
اما بالنسبة لمشكلة تمثيل الكتلة الدرزية عبر الحزب التقدمي الاشتراكي، فقد توقعت مصادر احتمال عقد لقاء بين الرئيس الحريري ورئيس الحزب وليد جنبلاط الذي عاد أمس من سفرته إلى الخارج، لعل مثل هذا اللقاء ينتج حلاً للعقدة الدرزية، فيما سجل أمس زيارة لافتة للمعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» الحاج حسين الخليل للنائب طلال أرسلان، تمحورت حول المسألة الدرزية.
الا ان مصادر الحزب الاشتراكي أكدت لـ"اللواء" مجدداً رفضها التنازل عن الحق الطبيعي للحزب بالحصول على كامل الحصة الدرزية، وضرورة إسناد حقائب وازنة له، من بينها حقيبة الصحة. واعتبرت بأنه غير معني بأي حديث عن إمكانية توزير أرسلان، مبدية تشاؤمها حول إمكانية ولادة الحكومة في وقت قريب.
ورجّحت المصادر الوزارية عبر صحيفة "الشرق الأوسط" اعتماد مطلب جنبلاط مع إشارتها إلى أن هناك بحثا في طرح آخر هو إعطاء جنبلاط وزيراً مسيحياً مع حقيبة وازنة.
أسماء قيد التداول
وعلى الرغم من أن شيئاً ليس محسوماً حتى الساعة في ما يتعلّق بموضوع الحقائب والوزارات الاّ أن أسماء الوزراء الجدد بدأ التداول بها، وتردد في هذا المجال، بحسب صحيفة "اللواء" ان الرئيس عون قد يعطي منصب نائب رئيس الحكومة أو حقيبة الدفاع الى رجل الأعمال المقيم في الكويت وديع العبسي، وهو المعروف بعلاقته الجيدة مع معظم الاطراف السياسية المسيحية لا سيما الرئيس عون و"التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية".
كما تتردد معلومات ان الرئيس بري قد يطرح توزير الوزيرة الحالية النائبة عناية عز الدين لحقيبة اساسية او تبقى لحقيبة التنمية الادارية ما لم يستبدلها بسيدة اخرى، وقد يبقى الوزير غازي زعيتر وزيرا للزراعة ما لم تُعط حركة "امل" حقيبة اخرى خدماتية، وقد يسمي بري النائب الدكتور فادي علامة لحقيبة الشباب والرياضة. فيما قد يسمي "حزب الله" الوزير محمد فنيش لحقيبة الصحة، والنائب السابق نوار الساحلي لحقيبة الصناعة وعضو المجلس السياسي للحزب محمود قماطي لحقيبة شؤون مجلس النواب.