كتب غسان ريفي في "سفير الشمال": لم تأت النصيحة الخليجية الى الرئيس المكلف سعد الحريري بضرورة الانفتاح والتعاون مع الرئيس نجيب ميقاتي والتي كشفت عنها صحيفة الوطن البحرينية، من فراغ، بل لأن الخليجيين يدركون تماما أن الحريري الذي خسر في الانتخابات النيابية عددا لا يستهان به من النواب السنة، بات يحتاج الى مظلة أمان سنية وازنة من خارج "تيار المستقبل"، لا يمكن أن يوفرها له إلا ميقاتي، في ظل المعارضة الواضحة والشرسة التي يواجهها من النواب السنة المحسوبين على قوى 8 آذار، في وقت ما يزال فيه ميقاتي يتمسك بالموقع الوسطي، وهو حصد أعلى رقم من الأصوات التفضيلية السنية في لبنان، وأعطته عاصمة السنة طرابلس ثقتها وترجمت ذلك بنصف عدد نوابها الذين ينضوون في كتلة "الوسط المستقل" برئاسته.
لم يعد الرئيس ميقاتي في موقع خلاف مع الخليجيين، بل على العكس فإن هذه الصفحة التي طويت منذ زمن، إنقلبت الى تعاون وتنسيق وثيقين تمت ترجمتهما من قبل كل السفراء الخليجيين تجاهه، وفي مقدمتهم القائم بأعمال السفارة السعودية الوزير المفوض وليد البخاري الذي حرص على زيارته في طرابلس لتهنئته بفوزه في الانتخابات النيابية، وعلى حضور إحتفال تكريم حفظة القرآن الكريم الذي أقامته جمعية العزم والسعادة قبيل الانتخابات وعلى وقوفه الى جانب ميقاتي لتقديم الجوائز والهدايا للحفظة، فضلا عن العلاقة المميزة التي تربط ميقاتي مع السفير الاماراتي حمد الشامسي.
يبدو واضحا أن الخليجيين باتوا على يقين بأن ميقاتي هو من يمثل الخط الوسطي المعتدل، وأن السياسة التي إعتمدها خلال حكومته لا سيما شعار "النأي بالنفس" هي السياسة التي تتناسب مع تطلعاتهم بالنسبة للبنان، خصوصا أن السمة الأساسية للعهد الجديد، وكلمة السر التي جعلت الحريري يتراجع عن إستقالته بعد عودته من السعودية كانتا شعار "النأي بالنفس" الذي هو "علامة مسجلة" للسياسة الميقاتية التي نجحت في السير بين الألغام في أحلك الظروف، وفي إيصال لبنان الى بر الأمان في ظل البراكين التي كانت مشتعلة في المنطقة، لا سيما البركان السوري.
لذلك وإنطلاقا من الانفتاح الخليجي والسعودي تحديدا على ميقاتي، جاءت النصيحة للحريري بضرورة التعاون معه، خصوصا أن ميقاتي قادر على تشكيل رافعة سنية للحريري، وعلى إستكمال عقد رؤساء الحكومات السابقين حوله، ما يعطيه مزيدا من الدفع والدعم، وأن يكسر حدة الهجوم عليه من قبل نواب المعارضة من الطائفة السنية.
كما أن تعاون الحريري مع ميقاتي من شأنه أن يحمي موقعه، خصوصا أن ميقاتي يشكل خط الدفاع الأول في لبنان عن صلاحيات رئاسة الحكومة وعن موقعها وهيبتها، وأن يبعد عنه تهمة التفرد بقرارات الطائفة، وأن يجعل الأمر شورى أقله بين الحريري وبين رؤساء الحكومات السابقين.
لا يختلف إثنان على أن الرأي العام السني في لبنان بات تواقا الى تعاون من هذا النوع بين قطبيّ الطائفة، علما أن من يعرف ميقاتي يعلم جيدا تواضعه وحبه لطائفته، ووطنيته، وأنه غير متطلب، هو ترجم ذلك خلال لقائه مع الحريري في الاستشارات عندما سمّاه لرئاسة الحكومة إنطلاقة من قناعته بأن الرئيس المكلف يجب أن يحصل على أصوات وازنة، وأيضا عندما ترك له حرية إختيار إسم من الاسماء التي طرحها عليه، والحقيبة التي ستتمثل من خلالها كتلة "الوسط المستقل" في الحكومة تأكيدا على إحترامه لموقع رئيس الحكومة وصلاحياته، وقد رد الحريري التحية بالتأكيد على أن "ميقاتي خير من يمثل طرابلس والشمال"، فهل يكون ذلك أول غيث العمل بالنصيحة الخليجية؟، وهل سيستكمل الحريري ذلك بتخصيص كتلة "الوسط المستقل" بحقيبة وزارية تليق بها إرضاء لميقاتي وتكون بمثابة فتح صفحة جديدة من التعاون معه؟، أم أن الحريري سيضيع فرصة تاريخية قد لا تعوّض بسهولة؟، خصوصا وبحسب كثير من المراقبين أن ميقاتي يشكل اليوم بوابة إنفتاح الحريري على المكونات السنية في لبنان.
(سفير الشمال)