بدأت تفترق المصالح المشتركة بين الولايات المتحدة وأوروبا في لبنان. التمايز جعل واشنطن غير مهتمة بأولويات أوروبا اللبنانية. وبما أن ملف النزوح السوري حط في الطليعة، فإن قطبة الاستقرار التي يعيشها لبنان منذ سبع سنوات بدأت تخضع جدياً لاختبار إمكانية وجود تبانين أوروبي - أميركي في هذا البلد، خاصة ما بعد خروج أميركا من الاتفاق النووي الإيراني ومن اتفاقية المناخ، وصولا إلى قمة مجموعة السبعة التي أعلن الرئيس الاميركي دونالد ترامب سحب يده من بيانها الختامي، عقب خلافات بدت جلية بين ترامب وقادة "جي 7" خلال لقاء كندا.
ترغب ألمانيا دخول الساحة اللبنانية من بابها العريض الرسمي وتجسيد حيوية مباشرة. وتسعى إلى لعب دور أساسي أسوة بدور فرنسا البارز في بيروت ولا سيما خلال أزمة استقالة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري في تشرين الاول الماضي، وصولا الى "سيدر1".
كانت زيارات المسؤولين الألمان إلى لبنان تقتصر على موفدين من وزارة الخارجية، مع مفارقة تمثلت بزيارة الرئيس الألماني فرانك فالتز شتاينماير بيروت في كانون الثاني الماضي في زيارة اكتسبت أهمية كبرى في ضوء الاوضاع المشتعلة في المنطقة.
بمعزل عن زيارتها في العام 2007، حطت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يومي الخميس والجمعة في بيروت. وأجرت محادثات رسمية مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة المكلف سعد الحريري.
تأتي زيارة ميركل على مشارف ولايتها الجديدة، بما يعزز قيمة لبنان في حسابات برلين. وتشير مصادر متابعة لزيارة ميركل لـ"لبنان24" إلى أن مجيئها في هذه المرحلة الدقيقة لبنانيا، وبعد مؤتمرات الدعم الدولية، يعطي لبنان، الذي يكاد يتحول الى دولة فاشلة، شكلاً من أشكال الأمل المبهم البعيد أنه لا يزال قادرا على تخطي أزماته ولاسيما منها الاقتصادية.
لقد أبلغت ميركل المعنيين أن ألمانيا معنية بلبنان من خلال المحافظة على استقراره السياسي والامني، ومنع انهياره ماليا واقتصاديا وبعدم تحول سواحل المتوسط اللبنانية إلى منصة تصدير النزوح السوري إلى أوروبا، تقول المصادر نفسها. فالهجرة غير الشرعية تشكل عنوانا سجاليا داخل بلادها حاليا خاصة بعدما ابتزت تركيا أوروبا طويلاً بهذا العنوان، وايقن الألمان أن حركة النزوح لا توفر العمالة البديلة لدولتهم بقدر ما تؤمن الإرهاب فضلاً عن أن لبنان سيشكل منصة نحو سوريا ربطا بإعادة الاعمار في المرحلة المقبلة.
لعل أبرز ما قالته ميركل خلال لقاءاتها أن عودة النازحين السوريين يجب أن تتم عبر اتفاق ومحادثات مع منظمات الأمم المتحدة الأمم المتحدة، فالعودة لا بد من أن تحدث عندما تتوافر الظروف الآمنة لذلك، مركزة، في رد غير مباشر على وزير الخارجية جبران باسيل، على ضرورة التعاون مع المفوضية العامة لشؤون اللاجئين.
وتأسيسا على ما تقدم فإن ملف النازحين سيبقى خاضعا لاشتباك "الظروف الامنة"، فاندفاعة الرئاسة الأولى والثانية و"حزب الله" تجاه تحريك ملف النازحين ستبقى، بحسب مصادر مطلعة لـ "لبنان24"، مستمرة بالحيوية نفسها في المرحلة المقبلة، من دون أن يعني ذلك أن عودة النازحين وشيكة. فالدول الاوروبية قد تغض النظر عن عودة بضع الالاف منهم، لكن العودة الكاملة لن تسمح بها قبل الحل السياسي،علما أن أوساطا سياسية رأت في تجنب ميركل الحديث عن قروض ميسرة للبنان مفاده أن الرئيس عون والرئيس بري رفضا التجاوب مع خططها.
لا يخفى، بحسب المصادر، أن ابقاء النازحين قد يدفع الأوروبيين إلى إغراق لبنان بالدعم والمساعدات، فمؤتمر "سيدر1"، وفق ميركل، يقدم أساسا جيدا للتعاون لكونه رسم القاعدة للقيام بالاستثمارات في لبنان.
وعلى هذا الاساس، فإن أي دعم أو مشاركة في المشاريع هو رهن الإصلاحات التي تعهد الرئيس الحريري أثناء مشاركته في مؤتمرات الدعم، اجراءها بهدف تمويل الدول المانحة المشاريع الـ 250 التي قدمتها الحكومة، وحصلت من خلالها على مجموعة قروض بفوائد ميسرة وهبات وصلت قيمتها إلى 11 مليار و800 مليون دولار أميركي.
ولما كانت الإصلاحات تتطلب على غرار المشاريع، تمويلاً، فإن ألمانيا، ستدخل باب تحسين قطاعات النفايات الصلبة، الطاقة البديلة والكهرباء والمياه والنفط، فهناك حقول قريبة من لبنان ومن الساحل اللبناني، ويمكن الاستفادة منها، وفق ميركل.
ما تقدم من طروحات، سيفرض على لبنان تحمل تبعات النزوح وغض النظر راهنا عن هذه الازمة، علما أن مصادر اقتصادية تبدي خشيتها من أن يتحول اغداق المساعدات والقروض إلى اغراق لبنان في أتون الديون والدفع به إلى حالة الانهيار الاقتصادي.