كتب غسان ريفي في "سفير الشمال": كل محركات تشكيل الحكومة متوقفة، إلا من بعض المجاملات السياسية التي يحرص رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري على القيام بها بين الحين والآخر تجاه رئيس الجمهورية ميشال عون للابقاء على العلاقة الجيدة معه، فيما تبقى شهية الوزير جبران باسيل مفتوحة على زيادة عدد وزراء تياره للحصول مع حصة عمه رئيس الجمهورية على "ثلث ضامن" يضم (11 وزيرا) يمكنه من خلاله الامساك بالسلطة التنفيذية من بابها الى محرابها، ووضع رقبة رئيس الحكومة تحت سيف الاستقالة عند أي خلاف أو إختلاف في وجهات النظر.
بات واضحا أن كل العُقد درزية كانت أم سنية، هي مجرد عُقد صورية أمام عمق العقدة المسيحية التي تحول دون ولادة الحكومة العتيدة، وخصوصا ما يسعى إليه باسيل من تقليص حصة شريكه في تفاهم معراب القوات اللبنانية الى حدها الأدنى (3 وزراء)، لمصلحة حصوله على "ثلث ضامن" ينصبه حاكما فعليا على لبنان ويسيء الى صلاحيات رئاسة الحكومة، ويضرب التوازنات السياسية والطائفية التي يقوم عليها لبنان، بما يمكن أن يؤدي الى ما لا يُحمد عقباه.
يتوافق كثيرون على أن طموحات جبران باسيل الوزارية لا يمكن أن تجد طريقها نحو التنفيذ، لذلك فقد جمّد الرئيس سعد الحريري إتصالاته، وأطفأ محركات تشكيل حكومته، كونه لا يمكن أن يتخلى عن صلاحيات رئاسة الحكومة لمصلحة باسيل وأن يسلمه مفتاح السراي الحكومي، وهو إن فعل وغض الطرف عن ذلك تحت حجة تسهيل ولادة الحكومة، فإنه سيواجه غضبا سعوديا غير مسبوق، وهو يعلم أن اللعب مع المملكة لم يعد متاحا، وأن فترات السماح التي كانت تعطيه إياها قد إنتهت، لا سيما بعد أزمة إحتجازه التي إنتهت بضمانة فرنسية.
كذلك فإن الحريري سيجد نفسه محاصرا من قبل رؤساء الحكومات السابقين وفي مقدمتهم الرئيس نجيب ميقاتي الذي يشكل اليوم خط الدفاع الأول عن صلاحيات رئاسة الحكومة، ويتولى حراسة مقام وهيبة الموقع السني الأول في لبنان، وهو إذ يقف اليوم الى جانب الرئيس الحريري فليس من أجل مصلحة شخصية أو وزارية أو لأجل تحالف بينهما، وإنما حفاظا على مقام رئيس الحكومة وعلى الصلاحيات التي يمنحها له إتفاق الطائف، والتي يريد جبران باسيل بسعيه الحصول على الثلث الضامن ضربها بعرض الحائط.
لا يتوقف الأمر عند الطائفة السنية فقط، بل كذلك فإن الشيعة لن يسمحوا لأي كان بأن يضعهم خارج المعادلة أو خارج التأثير الحكومي، لذلك فإن الثلث الضامن الذي يطالب به باسيل، يلقى رفضا قاطعا من قبل الرئيس نبيه بري ومن حزب الله، علمما أن الثنائي الشيعي ما يزال ينأى بنفسه عن الخلافات والعقد الحكومية، معتبرا أن الكرة الآن ليست في ملعبه بل في ملاعب أخرى وهو مجرد متفرج لا أكثر، مع علمه المسبق بأن ليس بمقدور أي طرف في لبنان القيام بأي خطوة من دون التوافق معه.
أمام هذا الواقع، تتجه ولادة الحكومة العتيدة الى مزيد من التأزم والتعقيد، فيما تستمر لعبة عض الأصابع على حالها، وإذا كان الرئيس ميشال عون يريد أن يطلق عهده من خلال حكومة يعتبرها الأولى بعد إجراء الانتخابات النيابية وعليه أن يعمل على تدوير الزوايا، فإن الرئيس سعد الحريري يمتلك قدرة أكبر على الانتظار كونه رئيس حكومة تصريف الأعمال ورئيس حكومة مكلف، أما التهويل الذي أطلقه النائب اللواء جميل السيد لسحب التكليف من الحريري، فهو ليس أكثر من “هرطقة” برأي كثيرين، كونه لا يستند الى أي مادة دستورية، كما من شأن ذلك أن يستهدف طائفة بكاملها وأن يدخل لبنان في توترات سياسية وطائفية هو بغنى عنها.
(سفير الشمال)