يدرك القاصي والدّاني أنّ انكفاء السائح والمستثمر الخليجي عن لبنان خلّف خسائر ونتائج كارثية، لم يتمكن القطاع السياحي طيلة سنوات من استيعاب تداعياته، كما لم يتمكن من التعويض بسياح من جنسيات أخرى، وما زال لبنان وقطاعه السياحي يتكبّد خسائر كبيرة نتيجة غياب الخليجي الذي عوّد لبنان على الإقامات الطويلة على خلاف كلّ السياح الآخرين من مختلف الجنسيات . ويعي اللبنانيون أيضاً حجم الخسائر التي طالت قطاعات استثمارية عديدة نتيجة تردّي العلاقات مع المملكة العربية السعودية وكافة بلدان مجلس التعاون الخليجي، والتي تجلّت بحظر سفر رعايا هذه البلدان إلى لبنان .
يعمل لبنان اليوم على إستعادة علاقاته الطبيعة مع بلدان الخليج، وإبطال مفاعيل "الخطابات الإلهية " ومواقف الزّج بالنفس في الجامعة العربية، والتي فعلت فعلها الشيطاني وساهمت بإبعاد الخليجي. دول الخليج أبدت تجاوباً لافتاً، تجلّى مؤخراً من خلال إشارة القائم بالاعمال السعودي وليد البخاري أنّ لبنان آمن وحقق معايير أمنية، توجب إعادة النظر في السياحة، وأرفق كلامه بمبادرة إطلاق مسيرة الدراجات النارية، بمشاركته إلى جانب عدد من الشخصيات الدبلوماسية والسياسية من جادة الملك سلمان نحو المختارة بمبادرة وتنظيم ورعاية السفارة السعودية.
وزير السياحة آفاديس كيدانيان رافق البخاري في إطلاق مبادرته، وإذ ثمّن مبادرة المملكة في اتصال مع "لبنان 24" وضعها في إطارها، موضحاً أنّ القائم بأعمال السفارة السعودية أشار إلى أنّه من المفترض إعادة النظر بقرار حظر مجيء رعاياهم إلى لبنان، وأنّهم بانتظار تأليف الحكومة اللبنانية لكي يعيدوا النظر بقرارهم، وبالتالي فالحظر مازال موجوداً، ولكن بطبيعة الحال الكلام السعودي يعبّر عن مقاربة سعودية جديدة، يأمل لبنان الرسمي أن تتكلل برفع الحظر وعودة السياح الخليجيين .
رئيس هيئة تنمية العلاقات الإقتصادية اللبنانية الخليجية إيلي رزق، أشار عبر "لبنان 24" إلى نيّة خليجية جدّية برفع الحظر ولا سيّما عن الرعايا الإماراتيين والسعوديين، "ولكن بانتظار أن يتمّ تأليف حكومة، بحيث أنّ وزير الداخلية كان قد أرسل الأجوبة على التساؤلات الأمنية والهواجس، وهناك وزارات معنية بتأمين الضمانات التي قُدمت وذلك يكون بعد تأليف الحكومة، كما أنّ هناك قراراً بتعيين سفير سعودي أصيل في لبنان، ولكن تأخير التأليف ربما يجعل المملكة تتريث".
تقديم حوافز للسائح
وفق مقاربة رزق فإعادة السائح الخليجي لا تتم بإجراءات عادية بل تتطلب تحقيق شقّين "سياسي تؤمنه الحكومة ولقد قامت بواجبها ويبقى تأليف الحكومة، وشقّ آخر يقع على عاتق القطاع الخاص، الذي عليه أنّ يقدّم حوافز للسياح تضاهي تلك التي تقدّمها دول أخرى مجاورة . فالسائح الخليجي اختبر وجهات سياحية أخرى كتركيا ودبي وغيرهما، ووجد خدمات أفضل وبأسعار أفضل. كما أنّ الأجيال الخليجية الشابة لا تعرف لبنان ولا تملك شعورا بالحنين إليه، فهي لم تعش في ربوعه، وبالتالي جذب هذه الفئة بحاجة إلى تعامل مختلف، ينطلق من التخلي عن ذهنية "الله خلق لبنان وكسر القالب"، لأنّ الإعتقاد السائد بأنّ "لبنان ما في متلو" ليس موجوداً سوى بأذهاننا، فعلينا التعاطي بواقعية والتواضع والإبتعاد عن التكابر والغرور، وعلى القطاع السياحي القيام بجهود جبارة وتقديم حوافز تجذب السائح الخليجي الذي اختار أماكن أخرى".
وفد اقتصادي لبناني برئاسة رئيس الهيئات الاقتصادية اللبنانية محمد شقير كان قد زار الامارات الشهر الماضي، وعقد سلسلة لقاءات بقصد تنمية العلاقات الاقتصادية بين البلدين وعودة الامارتيين الى لبنان. وفي هذا السياق لفت رزق الذي شارك في الجولة أنّهم لمسوا حرصاً إماراتياً على تنيمة العلاقات، وتعزيز إطار التعاون المشترك وتنقية هذه العلاقات من الشوائب .
فضلاً عن الظروف السياسية التي ساهمت بتردي العلاقات، حصلت شوائب عديدة من قبل لبنانيين أساءت إلى لبنان وسمعته السياحية قبل أن تسيء إلى السياح الخليجيين أنفسهم، ومنها عى سبيل المثال صحن الفواكه الشهير الذي قُدّم لسياح خليجيين في بيروت ووصل سعره إلى 75 دولاراً. ولقد لفت الوزراء الإمارتيون إلى هذه الحادثة غير الطريفة. وفي هذا السياق شدّد رزق على "وجوب وضع حدّ لهؤلاء المسيئين لسمعة لبنان السياحية، من خلال رقابة تمارسها الوزارات المعنية في الحكومة ونقابة الفنادق ، وليُستنسخ في هذا المجال نموذج وائل أبو فاعور في فضحه للمخالفات عندما كان وزيراً للصحة، وليلعب أحدهم دوراً بطولياً مشابهاً من شأنه أن يضع حدا لتجاوزات مماثلة ".
فضلاً عن الشق السياحي هناك شق استثماري عنون زيارة الوفد الإقتصادي إلى الإمارات تمثل بعرض الفرص الجديدة في لبنان، والمشاريع الناتجة عن مقررات مؤتمر سيدر والمتعلقة بتطوير البنى التحتية ومشاريع النفط والغاز ، "إلتقينا خمسة وزراء إماراتيين، والرئيس محمد شقير ذهب برؤية واضحة إلى الإمارات مقرونة بالأرقام، حول ما يمكن أن يؤمّنه مؤتمر سيدر من مشاريع واستثمارات مشتركة، وفي كلّ جولاتنا لمسنا مدى قناعة الإماراتي بالتعامل مع رجال الأعمال اللبنانيين ،وتمّ الإتفاق على عقد لقاء استثماري في الإمارات في السادس عشر من تشرين الأول المقبل، تستضيفه وزارة الإقتصاد الإماراتية، ويصار خلاله إلى طرح مشاريع مشتركة، وقد أبدت دولة الإمارات اهتماماً بالصناعات الغذائية ،بالطاقة الغاز والنفط ،بمعالجة النفايات وبمشاريع تطوير البنى التحتية ".
يبقى أنّ لبنان بلد يعتمد في اقتصاده بشكل أساسي على قطاع السياحة والخدمات، وأشقّاؤه الخليجيون لطالما ساندوه في مراحل صعبة من تاريخه، وعودة العلاقات بين لبنان ومحيطه العربي إلى سابق عهدها الودي أكثر من ضرورية ليستعيد عافيته الإقتصادية .