بدقة لامتناهية، ننقل الأرقام كما ظهرت على الآلة الحاسبة التي بتنا نمقت: 98935 و 197870 ليرة لبنانية! بلغة مبسطة و"تدوير" بسيط، تصبح 100 ألف و 200 ألف ليرة. هذه نتيجة حسابات، أيضاً بسيطة، ومستقاة من المضمون الوارد في البيان الآتي:
421” ل.ل. كل ساعـة تقنين للمشتركين (بقدرة 5 أمبير)؛
842 ل.ل. (بقدرة 10 أمبير)،
292 ل.ل. عن كل كيلواط ساعة.
- للمشتركين بالعدادات:
- قدرة 5 أمبير: 12.000 ل.ل. + المقطوعية الشهرية X 292 ل.ل. عن كل كيلواط ساعة.
- قدرة 10 أمبير: 20.000 ل.ل. + المقطوعية الشهرية X 292 ل.ل. عن كل كيلواط ساعة.
- قدرة 15 أمبير: 25.000 ل.ل. + المقطوعية الشهرية X 292 ل.ل. عن كل كيلواط ساعة.
* تضاف 5.000 ل.ل. على الشطر الثابت من تسعيرة العدادات لكل 5 أمبير إضافي.".
الرقمان المذكوران ليسا إلا نتائج عملية حسابية بسيطة لما سيدفعه المواطن كتعرفة الاشتراك بالموّلد الكهربائي عن شهر حزيران من العام 2018. مواطنٌ لم يحصل على ترف وجود عداد في منزله، وطبعاً ليس محظوظاً منذ ولادته كي ينعم بالكهرباء 24 على 24، بل هو إما مشترك بقدرة 5 أمبير أو بقدرة 10 أمبير، وعليه أن يسدد أحد هذين المبلغين لأن "معدل ساعات القطع في كافة المناطق اللبنانية بلغ 235 ساعة في شهر حزيران خارج مدينة بيروت التي تنقطع فيها الكهرباء حالياً 4.5 ساعات يومياً"، ولأن " هذه التعرفـة مبنية على أساس سعر وسطي لصفيحة المازوت الاخضر (20 ليتر) لشهر حزيران البالغ 20090 ل.ل."، ولأن وزارة الطاقة التي تصدر مثل هذه البيانات (تطبيقاً لقرار مجلس الوزراء رقم 2 الصادر بتاريخ 14/12/2011) قد أحتسبت "كافة مصاريف وفوائد وأكلاف المولدات بالإضافة إلى هامش ربح جيد لأصحابها"!
مخيفة هي لغة الأرقام "طول عمرها". وهي غير محببة على الإطلاق، حتى لو استخدماها "بالفرنجي"، فـ 100 الف ليرة يعني حوالى 67$ و200 الف ليرة توازي 133 بالعملة الخضراء!
والمشكلة أنّ الرقمين ليسا نهائيين وحتميين، بل قد يختلفان حسب المنطقة وعدد ساعات انقطاع التيار الكهربائي. مثلاً، في إحدى البلديات صدر تعميم يوضح أن سعر الـ5 أمبير أياً يكن نوعه أو لونه يبلغ 130000 ليرة وليس 100 ألف فقط، فيما يُحطى عن أنّ السعر وصل إلى 150 ألف ليرة (عن كل 5 أمبير) في منطقة أخرى، أي 300 ألف ليرة أي 200 $ عن كل 10 أمبير!
إنها الكارثة...
في العام 2018، وبعد سنوات طوال من الوعود بأن لبنان سيصبح ON ويشعشع نوراً على مدار الساعة، وبعد أن اجتاحت طرقاتنا وأحلام يقظتنا ونومنا يافطات تبشّر بأن "بلدنا صار بلد نفطي"، وبعد أن دخلنا رسمياً ومنذ عامين "العهد القوي"...
لا زالت تلك الـcalculatrice اللعينة تخبرنا بأنه يتوّجب علينا تسديد ربع أو نصف قيمة الحدّ الأدنى للأجور في لبنان لصاحب "الموتور"!
ماذا يعني هذا الأمر، وأيضاً بعمليات حسابية بسيطة؟!
بل ماذا تعني 100 ألف ليرة (نحتسب هنا المبلغ الأقلّ فقط) بالنسبة إلى مواطن لبناني منهكٌ اقتصاد بلده ومسلوب الكرامة والخيارات؟ ماذا يعني له هذا الأمر سيّما وأنه مضطر إلى الاشتراك بـ 5 أمبير كي يستطيع، أقلّه، تناول اللبنة من البراد من دون أن تفسد، أو تشغيل المروحة الكهربائية في عزّ تموز؟!
نعم، يمكن المواطن المعتر الذي بالكاد يحصل أصلاً على الخمسة أمبيرات (بدليل الديجنتور المتكوك في معظم الأحيان) شراء حوالى 66 ربطة خبز في الشهر، أي بمعدل ربطتين في النهار، وهو ما قد تحتاجه عائلة مؤلفة من ثلاثة أو أربعة أطفال! أو بكلام آخر، خبز على مدى شهرين واكثر.
وبهذه القيمة يمكن للمواطن ان يبتاع اكثر من عشرة كتب. بل باستطاعته الحصول على مكتبة خشبية يزيّن بها منزله المشتاق الى علم ونور وسلام.
يمكنه ادخار المبلغ ليصبح سنوياً حوالى مليون و200 الف، فيدفع جزءاً من قسط المدرسة...وما بالنا بأقساط المدارس القاتلة في أيامنا الظلماء!
يمكن الأب ان يبتاع دراجة هوائية لابنه الذي "ينقّ" على مسمعه طوال الليل والنهار، وبالتالي يتاح للطفل ان يلعب ويلهو ويمارس الرياضة، وربما ان يتعلم منذ الصغر ثقافة الحفاظ على البيئة.
يمكن الأم ان تشتري "جهاز" (ثياب) الجنين الذي تنتظر قدومه الى الحياة الصعبة. الصعبة الى درجة الوجع في عهد المحسوبيات والمصالح الضيقة والديون والتلهي بـ "غسان"!
يمكن تسديد هذه المبالغ كجزء من تقسيط الشقة، والتي باتت بدورها الحلم والوهم بالنسبة للشباب اللبناني. يمكن شراء هاتف خلوي لا يصل الى مرتبة الـ iphone، ولكنه "بمشّي الحال". بهذه المبالغ، يبتاع المواطن الثياب. يمكنه شراء علب من الدواء. يمكنه شراء عشر علب xanax !
يمكنه، بهذا المبلغ، تسديد رسوم الحصول على تأشيرة سفر. بل بالأحرى، ثمن One way ticket !
اللبناني راض بدفع هذه المبالغ الى خزينة الدولة اللبنانية شرط ان تأتيه الكهرباء، بشرف.
لكننا للأسف، نعيش أياماً غير مشرّفة...والآتي أعظم!