وأنا أكتب هذه السطور لا تغيب عن بالي لحظة واحدة صورة الزميل خليل فليحان وهو ممدّد على الطريق مقطوع اليد، بعد تعرضه لحادث سير مفجع.
المناسبة إطلاق المجلس الوطني للسلامة المرورية حملة توعية شاركت فيها إدارةGrand Cinema، وهي من إنتاج المخرج وليد ناصيف وبمشاركة الفنانين ندى بو فرحات وكارلا حداد وكارلوس عازار والإعلاميين جيسيكا عازار وريما نجيم ونيشان ورامز القاضي، وهي حملة يمكن إعتبارها أهم من أي حملة أخرى من أجل إنقاذ حياة إنسان في لحظة تخلٍ.
"لا تسرع يا بابا نحن في إنتظارك". سوق على مهلك حتى توصل بسرعة". لا تسرع الموت أسرع".
إنها عينة من الشعارات التي كنا نسمعها منذ أن كنا صغاراً. وحتى هذه اللحظة لا يزال الموت الرخيص على الطرقات يحصد، للأسف، كل يوم ضحايا السرعة والتهور وشرب الكحول قبل القيادة.
ومن بين أهداف هذه الحملة خلق وعي لدى جيل الشباب المتمحس، الذي يعتبر أن الطرقات قد أصبحت مطوبة بإسمه بمجرد جلوسه وراء مقود السيارة فيحولها إلى حلبة "فورمولا وان"، غير آبهٍ لما يمكن أن يسببه من مآسٍ له ولعائلته وللآخرين الذين يُصَادف مرورُهم من أمام طيشه وقلة إدراكه. وتكون النتيجة واحدة. نواح ونحيب ولون أسود يُطفي القلوب.
فهذه الحملة على أهميتها تبقى محصورة في المكان والزمان ما لم تدخل مع غيرها من حملات التوعية من ضمن مناهج التعليم بهدف إيجاد أرضية مهيأة لخلق ثقافة مرورية لدى شبابنا، منذ اليوم الأول لدخولهم المدارس وحتى تخرجهم من المعاهد والجامعات.
علموا أطفالكم منذ نعومة أظفارهم أن الحياة ثمينة جداً وأن الإستهتار بسلامة الآخرين جريمة كالقتل المتعمد. هذه مسؤولية مشتركة بين الأهل والمدارس والمجلس الوطني للسلامة المرورية، الذي يقوم بدوره كاملا على هذا الصعيد. وهي مسؤولية الإعلام أيضاً وبدرجة أعلى، إذ لا يكفي أن نلقي الضوء على حوادث السير وما تخلفه من كوارث ومآسٍ. بل المطلوب التشارك في التوعية والتحذير من مخاطر سرعة القيادة وعدم الإلتزم بقوانين السير والسلامة المرورية.
إن هذه القضية مهمة إلى درجة أنها تستأهل أن تدرج حيثياتها من ضمن البيان الوزاري للحكومة العتيدة، التي نأمل أن تتشكل في اسرع وقت ممكن، وأن تكون عنوانا من عناوين الإهتمامات اليومية للمسؤولين، على رغم إنشغالهم بأمور كثيرة بينما المطلوب ربما شيء واحد، وهو إعطاء حيز هام للإنسان في كل ما له من علاقة بأموره اليومية، من تعليم مجاني راقٍ، وقد لمسنا أهمية الثانويات العامة الرسمية التي حققت نتائج مشرفة في الإمتحانات الرسمية، وطبابة عالية العناية في المستشفيات الحكومية، التي ينقصها الكثير من الإهتمام والرعاية لكي تكون في مستوى تقديم الخدمات الطبية لشريحة واسعة من اللبنانيين غير المشمولين بالضمان الإجتماعي، وتوفير قروض إسكانية ميسرة لذوي الدخل المحدود بعدما لمسنا الحاجة الماسة إلى مثل هذه القروض بعد تعثّر السياسة الإسكانية المدعومة من مصرف لبنان، فيكون المثلث الميمي: منزل ومدرسة ومستشفى بداية طريق الإصلاح والإنقاذ.
عمموا ثقافة القيادة السليمة قبل فوات الآوان وقبل لحظة ندم فلا تعود طرقاتنا طرقات موت، ويصبح نهر الموت إسما على غير مسمّى.