ما كان ينقص مدينة طرابلس إلا صراع محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا ورئيس البلدية أحمد قمر الدين حتى تضاف الى أزماتها أزمة جديدة، فطوال يومين منصرمين كان نجم المدينة الحديث عن إستدعاء المحافظ نهرا لرئيس البلدية مع موظفين من إتحاد بلديات الفيحاء للتحقيق في شكاوى وردت عن مخالفات أبرزها ملف مسلخ اللحوم الذي أصدر وزير الصحة غسان حاصباني قرارا بإقفاله منذ فترة وجيزة، حيث شكل الموضوع مادة للسجال على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي ونتج عنه بيان منسوب الى مجلس البلدية، شديد اللهجة، ويطالب بالاجماع المحافظ بالاعتذار كونه تعمد الإساءة لمقام رئيس بلدية طرابلس ولم يتبع الاصول القانونية .
وتفيد المعطيات المتوافرة بأن لا خلفيات سياسية يحملها تحرك المحافظ نهرا لناحية تعمد تسريب الخبر لوسائل الاعلام فقرار وزير الصحة بإقفال المسلخ نظراً لعدم توافر أدنى الشروط الصحية وإهمال أعمال الصيانة رغم صرف إتحاد البلديات أكثر من 750 مليون ليرة تقريبا عليه، ما أدى عمليا لانطلاق شرارة دفعت بالمحافظ الشمال لفتح تحقيق على أن يحيل الملف الى وزارة الداخلية أو تحويله الى القضاء المالي للتوسع بالتحقيق وإتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة .
الانطباع العام بأن الحادثة ليست سوى إنعكاس طبيعي لاهمال متماد لا يجوز السكوت عنه بعد اليوم، يعم مختلف جوانب الخدمات العامة في طرابلس بغض النظر عن تضارب الصلاحيات أو ضياعها بين البلدية أو الوزارات أو مجلس الانماء و الاعمار، فرمانة ملف المسلخ ليست سوى نتاج "قلوب مليانة" من تعثر عمل المجلس البلدي حيث لا يمكن التستر على قضية المسلخ وما يحويه من مخالفات فادحة من إهمال واستهتار بقضية مهمة تتصل بصحة المواطن، ولا يتردد بعض اعضاء المجلس من التلميح بوجود رؤوس كبيرة متورطة في هذا الملف على صعيد هدر الاموال العامة.
هذا الامر لا عوامل سياسية ساهمت فيه، فتخبط البلدية واضح منذ لحظة وصول المجلس البلدي الحالي برئاسة قمر الدين جراء الانتصار الانتخابي الذي سجله الوزير السابق أشرف ريفي، إلى المسار الدراماتيكي له وحتى سقوط ريفي المدوي في الانتخابات النيابية، وكلها عبارة عن تراكمات أدت الى مشهد بلدي مربك يسوده الارتجال والسطحية في الممارسة العامة، وهناك من يشير صراحة الى أن سبب إنفجار الوضع على هذا النحو جاء كنتيجة متوقعة لتعطيل عقد جلسات المجلس البلدي، بل ومطالبة غالبية الاعضاء بإستقالة قمر الدين ثم سحبها عقب إعلان ريفي بأنه لا يمت بصلة للمجلس البلدي، هذا فضلا عن الوضع المتردي وسلسلة الازمات المعيشية الصعبة ما جعل المجلس البلدي يحصد الفشل الذريع في أدنى واجباته .
وتشير بعض المصادر السياسية بأن عوامل سياسية أضافت من حدة الازمة جراء السعي لتصفية تركة ريفي داخل المجلس البلدي، فبعدما نفض ريفي يديه من المجلس لم يبادر الا عضو المجلس يحيى فتال إلى تقديم استقالته، فيما تسود تكهنات كثيرة عن ولاءات مستجدة لاعضاء المجلس اللذين كانوا مقربين من ريفي وإنبروا للحديث عن المواجهة وعدم إستعدادهم للاستقالة تضامنا معه، في نفس الوقت تحركت غرف عمليات سياسية لتقييم الوضع وإجراء جردة عامة للتعامل مع المجلس البلدي في المستقبل.
وتختم المصادر توقعاتها بمزيد من التخبط في البلدية كما في بلديات أخرى وصولا الى فتح باب الاحتمالات واسعا بما في ذلك "فرط" مجلسي بلديتي الميناء وطرابلس والذهاب الى إنتخابات بلدية خلال شهرين أو إعادة توزيع شاملة بين القوى السياسية لمناصب رئاسة البلديتين كما رئاسة اتحاد بلديات الفيحاء