لم تستمر الايجابية التي افتتح بها الأسبوع الحالي حتى نهايته، بل تحوّلت الى أزمة مفتوحة لن يتمكن أحد من توقع المخرج الملائم منها، قبل عودة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، ورئيس مجلس النواب نبيه بري من عطلتهما خارج البلاد، ما سينذر حتماً باعادة تحريك عجلة الاتصالات في مسعى للوصول الى تشكيل الحكومة، والعمل أيضاً على تذليل العقبات التي تولّدت هذا الاسبوع، ولعلّ أبرزها الاشكال بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ.
وأبلغت أوساط مطلعة "النهار" في هذا السياق ان الاتصالات التي ستجري الاسبوع المقبل ستكون على درجة عالية من الاهمية، خصوصاً لجهة وضع مختلف القوى السياسية امام مسؤولياتها في تسهيل عملية تأليف الحكومة وخفض السقوف العالية للمطالب والاشتراطات ووقف المعارك الجانبية الناشبة على هامش تعقيدات عملية التأليف. وستنطلق هذه المشاورات من نقطة أساسية باتت تشكل محظوراً لا يمكن الرئيس المكلف تجاهله في اتصالاته المقبلة وهي ان الواقع الاقتصادي والمالي، وان كان لا يزال محصناً بمناعة الاجراءات المتينة المتخذة والتي يكررها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في كل مناسبة، الا ان الترف السياسي في استهلاك مزيد من الوقت والتعطيل والتأخير سيغدو عاملاً سلبياً يضاف الى العوامل الضاغطة على الاستقرار الاقتصادي والمالي والاجتماعي، خصوصاً وسط تنامي الازمات والمشكلات الاجتماعية في ظل حكومة تصريف الاعمال حاليا.
ولفتت الاوساط نفسها الى عامل آخر بات يحتم اطلاق جرعات قوية لتجاوز تعقيدات تأليف الحكومة وهو التخوّف من موجات التطورات الاقليمية الضخمة الجارية سواء على صعيد الحرب في سوريا أو على صعيد المواجهة المحتدمة بين الادراة الاميركية وايران وكلها تطورات لا يمكن عزل لبنان عن تداعياتها ما لم تشكل حكومة على أساس توافقي في اسرع وقت تضع خطط انقاذ لبنان من كل ما يتهدده داخليا وخارجياً.
وسط هذه الأجواء، سألت المصادر السياسية المتابعة عبر "الجمهورية" عن احتمال ترحيل التأليف إلى أمد غير محدد، الا إذا تمكن رئيس الجمهورية من إطلاق مبادرة انقاذية، بالتنسيق مع الرئيس المكلف، ما دامت المشكلة الرئيسية في التأليف داخلية وتتعلق بالحصص والتوازنات المتصل بعضها بملفات اقليمية، لكن الأخيرة ليست شرطاً ولا يرتبط التأليف بأوضاع المنطقة استناداً الى المصادر. وإذا كان لا بد من مبادرة، فلا يمكن إلا أن تقوم على أسس تتجاوز التناقضات الداخلية وتنطلق من موقع الحكم القادر على فرض التسوية، على صعوبة إقناع الأطراف بتقديم تنازلات والتخلي عن الشروط والعقد الداخلية في عملية تقاسم السلطة بحصصها السياسية والطائفية.
وكررت مصادر لصحيفة "الجمهورية" التشديد على ضرورة الاسراع في تأليف الحكومة، وقالت: "نكرر موقفنا الذي أعلنه الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، بضرورة الاسراع في تأليف حكومة وحدة وطنية موسّعة تراعي تمثيل جميع المكونات السياسية الموجودة في لبنان".
وعمّا اذا كان التأليف مرتبطاً بنتائج القمة الاميركية ـ الروسية المقررة في هلسنكي بين الرئيسين الاميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، أجابت المصادر: "انّ محاولة ربط تأليف الحكومة باستحقاقات خارجية هي ذريعة لتبرير تأخير هذا التأليف".
واعتبرت "انّ العقد داخلية"، وقالت: "لا شك في انّ دولة إقليمية تؤدي دوراً معيناً في تأخير التأليف، لكن مثلما نجحنا في السابق في أن نجعل الاستحقاق الرئاسي قضية لبنانية، يجب ان ننجح في ان يحصل تأليف الحكومة بلا اي تدخّل خارجي".
واعتبرت المصادر لـ"الجمهورية" انّ "التذرّع بالمهلة الطبيعية لتأليف الحكومة غير واقعي، فليس هناك شيء إسمه مهلة طبيعية، بل هناك شيء إسمه أمر طبيعي، وهذا الامر الطبيعي هو ان تؤلف الحكوم"». وتحدثت عن "اشمئزاز لدى المرجعيات الدولية من تأخّر الولادة الحكومية، وهو ما تبلّغه الرئيس المكلّف قبَيل سفره". وقالت: "يتحمّس لبنان لانعقاد المؤتمرات الدولية لدعمه، والمؤتمرات انعقدت، والقروض والمنح مجمّدة في انتظار الحكومة التي لم تؤلّف بعد".