أغلب الظن أن المكتوين بلهيب تموز جراء الانقطاع الكارثي للتيار الكهربائي من أبناء المدن والقرى على السواء، غير مهتمين بمصير "التفاهم"، ولا بموعد إعادة تشغيل محركات تأليف الحكومة، وتوزيع الحصص والحقائب والجزادين.. وحتماً حتماً بما سيحصل في قمة هلسنكي... أمام واقعهم الملتهب على كل صعيد.
وأغلب الظن أيضاً أن "اللامبالاة" ذاتها تبادلهم بها السلطة، وأركانها المنشغلون بأسفار الاجازات الخاصة، وحضور نهائيات المونديال.. "البلد بخير"، طالما هو دجاجة تبيض ذهباً لأهل الحكم، وطالما هناك مجتمع دولي ومؤسسات مالية دولية ما تزال تقدم منحاً وقروضاً ومساعدات للنهب والاستباحة تحت ألف عنوان.. أما بقية الأمور فتفاصيل صغيرة لا تستحق عناء شغل البال!
في لبنان اعتاد العاملون في السياسة أن يتحدثوا في كل شيء، ويكثروا من الكلام عن كل شيء، في القضايا الدولية، والاقتصاد العالمي، والجراحات الدقيقة، والرياضة والفلك والتنجيم.. إلا مشاكل بلدهم التي تكرر نفسها منذ عشرات السنين من دون أن تجد حلاً علمياً مقبولاً، حتى باتت بلاد الأرز مضرب المثل في استفحال الأزمات من دون أن يجترح مسؤولوها حلولاً هي من صميم واجباتهم.. وعود كثيرة، وحملات إعلانية ودعائية لوعود عرقوبية وانجازات وهمية كلّفت الخزينة مليارات الدولارات، والمثال الأوضح تختصره حال الكهرباء، فقد كشف موقع the spectator index في تقرير نشره عن أسوأ البلدان في تزويد المواطنين بالكهرباء لعام 2017، وحلّ لبنان في المرتبة الرابعة من أصل 137 بلدًا، بعد اليمن ونيجيريا وهايتي!
في لبنان؛ بحر ملوّث، وبيئة مدَمَرة، وتزايد مخيف في معدلات الجرائم الشنيعة، ومجتمع رديف يستنزف هوامش الحركة الاقتصادية، ولحوم فاسدة وأدوية مزورة، وتيار كهربائي هو الأسوأ في العالم، وخدمات اتصالات وانترنت هي الأعلى سعراً والأقل جودة، وفساد وسمسرات ومحسوبيات تتجاوز كل منطق أو فهم.. وفيه مؤشرات جدية لأزمة اقتصادية يتردد أنها غير تقليدية، وفيه أيضاً انخراط كبير لأطراف في أزمات وبؤر مشتعلة بشكل يناقض مصالحه الوطنية ويستعدي الأشقاء والأصدقاء!
في لبنان، هجرة أدمغة وأفق مسدود، و660 ألف عاطل عن العمل، يضاف إليهم 800 ألف ربة منزل من حاملي الشهادات لم يجدن أيضاً فرص عمل، و260 ألف شخص خسروا وظائفهم بسبب المنافسة والمزاحمة الأجنبية، وخصوصاً السورية، لليد العاملة اللبنانية، بحسب دراسة أجرتها وزارة العمل والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وجمعية "قرارات".. ولا من يسأل!
في لبنان، ثقافة بالية بأن العمل العام مدخل للهيمنة والغاء التنوع واحتكار التمثيل، وبابٌ للنفعية والانتهازية والاستغلال والإثراء السريع. هنا لا ينفع البحث عن مقعد بالزائد أو بالناقص لهذا الطرف أو ذاك، القضية هي كيف يمكن المحافظة على البلد ووقف استنزافه وانهياره قبل فوات الأوان؟